المسرح السوري في لبنان

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 كانون الأول 15 13 دقيقة للقراءة
المسرح السوري في لبنان
(إهداء: إلى داريو، وحده، درة الشرقين).. حصَّل المسرح السوري، الكثير، بالسنوات الماضية. لا ثرثرة، إذ أذكر أسماء. سعد الله ونوس وفواز الساجر ومانويل جيجي ونائلة الأطرش وغسان مسعود وأيمن زيدان وأسعد فضة ودريد لحام ونهاد قلعي ومحمد الماغوط. رجع، هؤلاء، بأعمالهم، إلى النظريات المعاصرة. أحسنوا ولم يحسنوا. لأن عدم التفاوت، فن من فنون الميت. فن من فنون الأموات.
فكرة العربي واحدة بالمسرح. أن الخطاب، فن عضوي. صورة قتيل يحلم بالحياة. منذ منتصف القرن العشرين، اشتعلت لحظات باهرة في المسرح السوري، ما عاد أحد يتذكرها، من جمهوري الحرب في سوريا. أبواب رئيسية على ما لا يحسب على فن الكلام. «أهل الكهف» لفواز الساجر، «سهرة مع أبي خليل القباني» و«إنسوا هيروسترات». عشرات العناوين الملتهبة بقلق الحضارات. هذا على ضفة. تعاظمت المحاولات على الضفة الأخرى، بين استعارة أو قراءة خلاصات مبهرة على دروب العالم. تجربة مسرح الشوك، خلاصة من خلاصات المسرح السوري. إدراك عالم المسرح، واحدة من خلاصات المسرح السوري. حيث جرت محاولات حثيثة، لمأسسة عالم المسرح، إذ رُفعت الأبنية والعمارات، بعيداً من الذبذبات.
ارتفع المسرح على قراءات السلطة للواقع والأرض. البون بين الإثنين عريض. ارتفعت طبقات المسارح على أرض الواقع، كما قامت طبقات السرد في المسرح.
ما عاد أحدٌ يتذكر، لأن العلاقة بالمحيط، لم تعد تحصر علاقتها بالمسرح بالنزعات الجمالية للممارسات المعاصرة، وحدها. إذ أن عجيج الحرب، طغى على كل محاولات، تحليل علاقات الماضي بالحاضر، بوصف الثاني امتداداً للأول. ذلك أن سوريا، امتلكت سِفْر المسرح، باستدراج الإستعارات واصطيادها. المسرح القومي، المسرح الجوّال، المسرح العمالي. لم يعد أحدٌ يتذكر، لأن الحرب بسنواتها الخمس، أخذت المسرحي السوري، لا إلى إبداع النثر بالمسرح. أخذته إلى نثر المسرح بالحرب. حتى انتقلت أجزاء من مكونات هذا المسرح / وجوه اختزلت «الزمن السعيد» ووجوه لا تزال في عراء اللحظات القاسية، الواقعية والعبثية / حتى انتقلت الوجوه هذه إلى بلدان وأرصفة ونبرات أخرى، حيث بدا أنها تُهيّئ لحضور الصور الأخرى للمسرح السوري، على دروب لم تقصر ولن تقصر، كلما طالت الحرب. لا شيء يدعو للهلع/ هنا / إلاّ انهماك المواطنين، الطيبين، بتأمين يومياتهم الثقيلة في البلدان البعيدة إثر تحطم سفن أحلامهم على روح المدن الجديدة وطبقاتها المُهملة.
لا يزال المسرحيون السوريون، مذاك، يوسعون دائرة حضورهم في لبنان، بدلاً من أن يغيّروا بقواعد اللعبة تغيرات حاسمة. ذلك أن حضور المسرحي السوري / اليوم / حضور معطوف على حضوره السابق في لبنان في الحرب السورية. وسعٌ بلا إجابات عن المسائل الجوهرية، حيث تم اعتبار الفن، هذا، ظاهرة لغوية. ظاهرةٌ، لا تثير إلاّ حماسة الندماء في نبش أشلاء الأزمنة المنهوبة والأحلام المجهضة. لا شيء لافت، خارج الحقيقة هذه. ساهم لبنانيون، بحرف بعض المسرحيين السوريين، عن مفاهيم اقتسام المحسوس، بين البعد الجمالي للفن وأبعاده الأخرى. البعد الإجتماعي بالمقدم. ذلك أن الإصطفاف، جرَّ المسرح، إلى المباشرة، بعيداً من البحث عن اللغة المرئية الجمالية، الجديدة. لغة، تثري وتُغيِّر ما لدى العرب، من إدراك الفن هذا. لا شيء من الغلو، إذ يؤكد الكثيرون، أن حضور التجربة المسرحية السورية، في لبنان، بالسنوات الأربع أو الخمس الأخيرة، حضور استخدام المسرح بالصراع الدائر في سوريا، بترجمة لغة الجمهور على الخشبة، لا لغة الفن ولا الفنان. هكذا، صار المسرح، مكاناً من أمكنة عامة. أمكنة ثابتة، لا تحرّر ذواتها من فخ الجماهيرية. جمهور من أهالي الحي. لا جمهور مختلط من أهالي الحي والأحياء الأخرى. نزعات عيش، أكثر مما هي ميزٌ بالعيش. مسرحية «ما عم اتذكر» لوائل علي، حبست الإبداع في ظواهر الحركة الخارجية، كجزء من رحلة تُحضَّر، لرواية سيرة رجل ناهض السلطة، على بكرات الأعوام الماضية. معتقل سابق، يروي تجربة السجن والإعتقال، بعيداً من خلق ما يقتسمه المسرحي مع الجمهور بالعادة. لأن جمهور العرض جاهز. مسرحية مُعارض. جمهور المسرحية، جمهور مُعارِّض. أدرك الكل، إذ وطئوا صالة مسرح «دوار الشمس»، أن ما سمّاه الأوروبيون المسرح، لا وجود له. لم يدركوه، لأنهم وضعوا أنفسهم في طيّات السرد، وهم في منازلهم أو في مساحات لقائهم المتوفرة الأخرى. جمهور فوق المنصة، لا في الصالة، أحاط المعتقل السابق. لم يروِ الأخير حكايته وحكاية من عاضده بتلك المرحلة، لأنه لم يلبث يجيب عن أسئلة رجل ذي ميول سياسية واضحة، يؤكدها إذ يُذكِّر الجمهور، عبر صور فوتوغرافية ومقاطع مُصوَّرة، بأحداث خاضها الرجل، اللطيف، المتبرم، قليلاً، من تحلق الناس حوله. المتبرم أكثر، من مصوغ العلاقة بينه وبين من يريد أن يزيد من ثقة الجمهور به، كلما بانت خسائره / الراوي / أكثر. لا مصوغات تأويل. لأن المسرح عَقَد َ ذاته، هنا، على احتلال السياسة الخالصة، منصة لم تجد قاموسها إلا بكتاب الحرب والموت والقتل والدمار والتشرذم. بدا الرجل، ثقيل الحضور، يبرطم أكثر مما يروي، لأن الرواية، هنا، لا تحرر. لأن الرواية، هنا، تنظم اللقاء، تنظم الكلام في فضاء، معين، في فضاء جاهز. سُرادق سياسية، نلاحظ، بوسطها وعلى عجل، المعروضات المتناثرة، لا أجزاء العرض، الموحدة بالشكل. «هايد بارك» قديم.
مسرح «دوار الشمس»، أحد جسور «العروض المعارضة». جسر بلوغ العرض حجمه الجماهيري، باختلاط الجمهور بالحديث، لا أكثر. لا علاقة لذلك بالفضول. تقوم العلاقة، بين المسرح والمسرحية، على الضرورة السياسية. ضرورة، تسمح بالترابط، بين فريق العمل وإدارة المسرح. لم يحظَ العرض، الضيف، بالمغامرة. مغامرات الأصابع ومغامرات العيون. لأنه، لن لبث / مباشرة / باختلال مفهوم الهوية الوطنية، من اختلال مفهوم الهوية عند اللبناني. رسالة الأخ، تصبح رسالة الأخوين. رسالة واحدة، بخط واحد وحبر واحد وكلمات واحدة. تزداد الريبة، هنا، لا العكس، إذ تزداد الألغام بدل تفكيك الألغام السابقة. هكذا، تلصق المسرحية السورية، على الجدارية اللبنانية، بأحاديثها ذات العبارات المتوترة، المبتورة، ومشاهدها المتقطعة. هكذا تقع المسرحية السورية، في ثقافة الظل اللبنانية. طللٌ على أطلال. لا جوهر، بعيداً من الحبكات. لأن لهجات الحياة / بهجة الشغل بالمسرح من لهجات الحياة / توقفت عن الدوران، مُذ أضحت عمليات ترميم الروح البشرية، أقرب إلى عمليات التجميل السائدة.
لا شبكات قراءة التأليفات أو المسارات الفنية/الثقافية. ذلك أن القراءة، هنا، قراءات بالواقع، على أرض الواقع. كما يرى، صاحب العرض أو المسرحية الواقع. واقعٌ، ذو روابط بالسياقات الحصرية، الجاهزة، ببلاد الحرب وببلاد من يدير المسرح. مدير منهمك بتحديد الإتجاهات بدل الإستعانة بالبوصلة. لن تشترط العلاقة بين الطرفين، الإبداع. ثمة، ما لايقدم الراحة. هكذا، تواترت الأنباء، عن تهديدات، تلقتها إدارة المسرح «دوار الشمس»، تحت إصرارها على عرض «ما عم بتذكر».
واحدة من الإشارات، المعبّرة، بهذا السياق، أن صحيفة الكترونية، اقترحت عليَّ الكتابة عن عرض وائل علي. ثم، أنها عادت وطلبت أن أهتم بعرض آخر. لأن سورية معارضة / بالصحيفة / أصرت على أن تصحِّفه، بعد أن سمعت فيه / سلفاً / أذان المصلين وأناشيد المعارضين. نشرت الصحيفة المقالتين (مقالتي ومقالة الزميلة السورية) بفارق أيام. لا غرابة، إذ ربطت، علاقة حب، بين الزميلة والعرض السوري. حين ربطتني به، علاقة محفوفة بالحلو والمر.
ضخّت الزميلة موقفها السياسي، في أجواء المسرحية. مثلبٌ عظيم. موقفان متطابقان. أقام التطابق، جلبة، أخفت عناصر العرض، الفنية، النادرة. المحصلة: مسرحية منبهات ونقد لا ينبه لأنه ليس نقداً. فوضى رنانة. بينالي لا مسرحية. يقدم المسرح خدمة، هنا. لا يقدم المسرح، إلّا الطاعون. أو تكفير الآخر، بطبع ونشر لوائح طويلة من الإتهام. لم تعد المسرحية حدثاً. أضحت مناسبة. أضحى عالم النقد، باللحظة هذه، أفكاراً بدئية بعصر المنتجات الرقمية الناشطة والفاعلة. أفكاراً، لا تملك أية قوى إخضاع للمسرح، بحقوله الفكرية والثقافية والتاريخية والسياسية الحقة. المسرح جثة مسرح.
اختارت العروض المسرحية السورية، عندنا، التحصن بالفحولة السياسية. كل بشري فحلٌ سياسي في لبنان. لا مقام للمسرح إذن. لا سبر أغوار. المسرح أرض مسطحة. استنفر جزءٌ من اللبنانيين، أنفسهم، لبناء استراتيجيا حضور بعض المسرح السوري في لبنان. حضور وجودي. لا علاقة لذلك إلاّ بتربية اللبناني ذي الكيمياء الجاهزة لبناء جوق، رجعية. الكيمياء بين «البعض» و«الآخر» (لبناني وسوري أو لبناني وفرنسي سواء بسواء) متاحة لكل طالب، ما دام الطرفان على اتفاق، سابق على الإتفاق. اتفاقٌ، يستقطر كيمياء السعادة، من صور الحرب المستعرة، على حروف المدن والقرى الخربة. كل كلام على عنصرية لبنانية، كلام بلا استبصار رؤيوي. لا عنصرية. هذه إشكالية مطروحة في مقام آخر، لا في مقام المسرح.
يحرص العاملون في مسرح «دوار الشمس»، ضفة الضاد بعلاقتهم بالعروض السورية، ذات أهداف إدراك الإنتصار على الطرف الآخر، عبر المهارات والأبواب. حنان الحاج علي / زوجة المسرحي روجيه عساف / مؤسس مسرح «دوار الشمس»، مالكة موقف سياسي واضح. موقف يحصن مواقف المعارضين المسرحيين، بتقديم «دوار الشمس» للأعمال السورية، ذات المفاهيم المحاربة، لا مفاهيم التراكم النوعي. الإقتراب من العروض المعارضة، اقتراب من طبقات الصوت الخاصة. دعامة التاريخ الجديد. هذه قضية حساسة، لا يخوض بها كثيرون. كل سؤال، في هذا المجال، سِفرٌ غير مضمون النتائج. تأشيرة غير متحققة. هذا طبيعي، أمام الرغبة الواحدة، حيث تتعلق الرؤى، بالكثير من ومضات الحلم والخوف. لن يشاطر أحدٌ أحداً، ما يفكر به. ما يجهد إلى تحققه وتحقيقه. كلما سألت، يضحى من سألت، صاحب صورة معلقة على جدران المدينة. فسَّر غسان مسعود ذلك، بأن الفنان السوري، سقط في الحرب السورية، سقوطاً سريعاً. أسقطته الحرب بالضربة القاضية. لا فحص هوية للسوريين، لأن السوري، يقدم هويته على بدنه. هويته السياسية. حين سألت حنان الحاج علي، عن بعض المسرحيين، وجَّهت خطاي، إلى القائم على البرمجة، في «مسرح بابل». مسرح آخر، استضاف مسرحيات أخرى. هناك، بالمسرح القائم في شارع الحمرا، جهة مستشفى الجامعة الأميركية، يداوم محمد عصام القدور. شابٌ، هادئٌ، مهذبٌ، حذرٌ. أكد الشاب، بشعره المجَّدل، أن العروض السورية، على مسرحه، عروضٌ لا مع النظام السوري ولا ضده ولا مع المعارضة السورية ولا ضدها. هذا من شروط القول، في الأيام العصيبة. المسارح أحيازٌ. هذا صحيح. غير أن المسارح، تروم كل الأساليب، لكي تستمر، وسط الأزمة الإقتصادية. أساليب التأثر حاضرة، غير أنها محدودة. لن تتضح معالمها، كثيراً. لأن المسرحيات السورية، قليلةٌ، على المنصات اللبنانية. لن تولد الحاءُ من رحم الميم، حين نقيم مقارنة بالعدد بين المسرح السوري والمسرح اللبناني. لن يولد حرفٌ من حرف. عشرات المسرحيات اللبنانية، على الخشبات اللبنانية. بعض المسرحيات السورية. تسعفُ بعض المسرحيات اللبنانية، مسرحييها بترجمة هواجسهم. لا تسعف مسرحيات أخرى المسرحيين. لا تسعفُ المسرحيةُ السوريةُ المسرحي السوري. لأن وقت السوري، غير زمن اللبناني. لا يمتلك الزمن السوري صبر الزمن اللبناني العجيب. تطرق المسرحيات اللبنانية، الزمن بهدوء وصبر عجيبين. الكلام مع محمد قدور، أشبه بالعملية الجراحية. رافع بتأثر عن حنان الحاج علي. طقسُ ولادةِ الواحد من الآخر. ولد محمد قدور على لسان الحاج علي. وها هي حنان تولد، راشدة، على لسان محمد قدور. لم أبح لقدور بأن حنان، عقدت علاقتي به. أكد الشاب، أن حنان، مسؤولة «إتجاهات». مؤسسة سورية - لبنانية على رأس مؤسسة سورية. أفق العلاقة، هنا، أفق رمزي. نقطة تموضع رمزي ومادي بدرجة مساوية. سوف يؤدي الأمر، إلى ترخيم إيقاعي وشحن عاطفي.
لم يتأثر المسرحيون السوريون، بالتجربة اللبنانية. لا تأثيرات رحمانية، إلاّ على الصعيد التقني. ذلك أن المستوى هذا، غير منظور، كثيراً، في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق. «معهد ذو طرق مشهودة، بتكوين الممثل والمخرج، غير أنه لا يُملِّكُ المسرحي، سحر التقنيات. الصوت والإضاءة والسينوغرافيا. اكتسبها المبدع السوري، من حضوره اللبناني». أكد قدور. تبقى العروض السورية، بلبنان، على عرش الإنجازات السورية. كل مسرحية سورية مسرحية سندريلا، لن تلبث الأيام أن تسمح لها بالزواج من الأمير، أو أن تبقى عزباء، بائرة. لاعلاقة للإختلاط، بإيغال «الواحد» «بالآخر». لا حساسيات لبنانية بالمسرحية السورية. بالعكس. يلعب اللبناني، دور محفز عمليات تحيين الرؤيا، لا تحسينها، إلاّ على المستوى التقني. مستوى مبتور بسوريا.
هناك، مؤسسات وهيئات، تقوم بتمويل العروض، ذات العلاقة المباشرة بالحرب في سوريا. «إتجاهات». «آفاق». «المورد الثقافي». لا عاطفة، بكلام قدور. ثمة تبيان. ما استقبل «بابل»، إلاّ عروض الحياد. «فوق الصفر» لأسامة حلال. قراءة في ست صور اشتهرت بالأحداث. زواج القاصرات. الإعدامات الميدانية. مزج بين الدراما والرقص المعاصر. «إذا فيك تتطلع بالكاميرا» إخراج عمر أبو سعدى، آداء إيهام الآغا. «من أجل نعم أو من أجل لا»، إخراج وآداء مجد فضة. تتوحّد آفاق المسرح بالقضية الإقتصادية. إذ أن مسرح بابل، مسرح مهدد بالإقفال. جمهور المسرح بلبنان، جمهور العروض الإفتتاحية. استقبل المسرح (بابل) العروض السورية، كما استضاف العروض اللبنانية. لا لنكء الجراح. بدافع التشغيل المتبادل. فتح المسرح أبوابه، للكثير من العروض اللبنانية. «ماما» لمارك خريش. «فينوس» لجاك مارون. وغيرها. جهاز المسرح النطقي، جهاز اقتصادي. لا شيء خارج الإقتصاد. لم يَنسَ قدورة، التوقف أمام «مؤسسة المواطنة». يقف خلفها عمر الجباعي. تموِّل، عروض المسرح السوري المباشرة. عروض لا تُلمِّح وهي تخوض في معارضة النظام. عروض أندر غراوند. عروض «هايد بارك». أو عروض بورديل كلونديستان. لا استبطان سلبيات بالتوصيف الأخير. عروض تحلق جماهير. أو تجميع جماهير. عروض في هوامش بيروت والمدن الأخرى. أو بالقرى. طرقٌ، لا يهدم ولا يبني. لن تنمو المسرحية السورية إلاّ في سوريا، إلاّ بالمدينة السورية. حضورها حضور قاصر بلبنان وفي أي بلد آخر. لا بسوريا. لأن المسرح مديني. نقطة التموضع، تبقى رمزية، لحظة الإبتعاد عن دمشق أو حُمص أو حماه أو حلب. لا تأثيرات. لا شراكة، مؤثرة. لن يتمخّض الجرح عن عقد وربط مع المسرح، إلاّ في سوريا. لن تعدم بعض الشخصيات، المساعدة. مساعدة محدودة. تقديم الصالات للتمارين على مسرحية، مجاناً أو برسم رمزي. لن تمهر المسارح، العروض المسرحية السورية، بتواقيع مدرائها. المسرح حديقة، لا بيت. تهرم المسرحية، بعد يوم، بعد يومين على عرضها. لأنها تدور في حفرة، لا في حياة. لن تكف الأعمال عن التجمع. «ما عمّ بتذكر». قدم أسامة غنم، مسرحيات عديدة (الشريط الأخير، كمثال). المهاجران لسامر عمران. الغرف الصغيرة، لوائل قدور. المركز لساري مصطفى. النافذة لعمر جباعي. مجد فضة، هز نص بينتر «من أجل نعم أو...» على شراكة نسبية بين لبنانيين وسوريين. هو وممثلون لبنانيون. لا حمل هنا. لقاء أصوات، بهدف التخفيف من الغربة. تتوسل الكثير من العروض، تشغيل الجمعيات والمؤسسات والصناديق الدولية. عروض فقيرة. عرض في عكار وآخر في صيدا أو في بيروت. عروض مسرحية وعروض غير مسرحية. كالحفل الغنائي «شكراً لبنان» (بابل). عرض «سكاكين»، شراكة أخرى. شراكة بين هواة لبنانيين وسوريين. قدم في مرجعيون. مسرحية، قدمها ستون ولداً سورياً، في واحدة من قرى سهل البقاع. أخذت المناسبة الشغل المسرحي هذا. اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال. المخرج المسرحي، لا تهمه هوية الجمهور. سوري أو لبناني أو أردني أو عراقي. لذا، لا يوجه شغله المسرحي إلى جمهور محدد. بيروت مناسِبة، لأن القاهرة كبيرة، في حين تفتقد عمان الحال المسرحية الحاضنة. هاشم عدنان، العضو بفرقة زقاق اللبنانية، يلحظ أن ثمة مقاومة من اللبنانيين لأعمال الفنانين السوريين. يقول: عنصرية. هناك سوريون (لا يرغبون بذكرهم) يعتبرون أن بيروت فخٌ. لا فضاء حر في بيروت. بيروت قاسية. لا تحب أحداً، لا تأمن لأحد، في حين لا تنفك تطلب من الآخرين، التعبير عن إعجابهم ومحبتهم لها. هاجر جزء منهم. عاد جزء إلى سوريا. وهناك، من يقيم على الحد الفاصل بين بيروت ودمشق. كالمخرج عمر أبو سعدة. جاء الأخير بمسرحيته الأخيرة «أونتيغون» إلى لبنان، بعد أن لعبت بدمشق. ثم عاد ومسرحيته إلى دمشق. باحت المسرحية في مسرح المدينة البيروتي، بالمأساة السورية كفعل لا نهائي. رأفت الزاقوت، قدم «توته توته، بلشت الحدوة». قدم وائل قدور «الفيروس» وفارس الذهبي و«ريح». «المرود والمكحلة» من عدنان عودة. «باريس في الظل»، من يم مشهدي.
هناك العشرات من الفنانين السوريين المقيمين بلبنان، لم يذيلوا حضورهم بالعمل بالمسرح. غسان مسعود وعبد المنعم عمايري وأمل عرفة وجمال سليمان وغيرهم. لا لأنهم خلصٌ للأعمال التلفزيونية. لأنهم أدرى، بأن مسرح سوريا زائر، لا أكثر. فرع ٌمن المسرح، لا أصل. وأن الاعمال التلفزيونية، تصهر أكثر من الأعمال المسرحية. لن تصنع المسرحيات معجزة. لن يكف المسرح عن الحياة. بيد أن الكثيرين، لن يعثروا، بالمسرحيات الزائرة، على غاياتهم. لن يجدوا فيها حيواتهم ولا هيئاتهم الحية أو المائية. حضور بتمام الجسد، لا انضمام إلى ميثاق. قبوع بالزوايا. لن ترمم مسرحية مرآة مكسورة. لن يتوافق الطرفان. لن يفتح الباب. هكذا، تتعاطى الصحف اللبنانية مع المسرحيات الملعوبة في سوريا، بعطش التعاطي، في حين أن كلمات السر الإعلامية لا تُسلِّم لأصحاب المسرحية المشغولة في لبنان. هذه إشارة جوهرية. لا تسمع الصحف، إلاّ أصوات مبهمة بالمسرحيات هذه. وصلات صوتية. مسرحيات لا تبقى نفسها على الدوام. كلما طال بها الأمد، خارج سوريا، كلما انفكت ضفائرها. مروحة مختلة. واحدة من مظاهرها، أن سوريين، استفادوا من علاقة اللبنانيين بإعلامهم. تعلموا تقنيات، تفك طلاسم العلاقة بالآخر بالمسرح وخارج المسرح. بقيت مسرحيات هتافات. لا مسرحيات نداءات. البون شاسع بين الإثنتين.

A+
A-
share
كانون الأول 2015
أنظر أيضا
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
25 نيسان 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
25 نيسان 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
08 نيسان 2024 بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
08 نيسان 2024
بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
07 نيسان 2024 بقلم ربى الزهوري، صحافية
07 نيسان 2024
بقلم ربى الزهوري، صحافية
تحميل المزيد