مثل الدفء الذي يبثُّه الحساء في الجسد

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 كانون الأول 15 4 دقائق للقراءة
مثل الدفء الذي يبثُّه الحساء في الجسد
© باربرا مسعد
في ليلة عاصفة من شتاء عام 2013، شعرت باربرا عبديني مسعد بالبرد وهي في شقتها الدافئة في بيروت. لم تتمكن من النوم وهي تفكر بالعائلات التي تنام داخل خيم في البقاع من دون وسائل التدفئة. وفي سعيها لإيجاد سبيل للمساعدة، قررت زيارة أحد مخيمات اللاجئين في زحلة بنفسها. وإلى هناك صارت وجهتها في كلّ عطلة نهاية أسبوع حيث تقوم بالأمرين اللذين تجيدهما: إعداد الطعام والتقاط الصور.
يزخر كتاب «حساء من أجل سوريا» بصور نابضة بالحياة لأطباق تحتوي على الحساء، ووجوه تحدّق من على الصفحات اللمّاعة. أمّا النظرات فهي ليست إتهامية، بل هي لعيون أطفال يبتسمون لك، ونساء يتحدثن إليك. فبالنسبة إلى عبديني مسعد، «عيون الناس تكسر حواجز الكراهية» أما التفاصيل كالجنسية، والدِين، والمنطقة التي ينحدر منها صاحب الوجه، وفي أيّ صفّ يقف من الحرب في سوريا، فهي تفاصيل غير مهمة.
حين نتخطّى الأوضاع المزرية للمخيم، وننظر إلى الوجوه التي خشّنتها التجارب والمآسي والظروف المعيشة المتردية، لا نجد سوى أشخاص مثلنا...مجرد بشر. بنظراتهم المحدِّقة - وهي السمة الطاغية على صور الكتاب - التي تعكس علاقة إلفة مع المصوّرة، وتبعث الدفء في الصفحات والقلوب.
ويشكّل الكتاب انعكاساً لشخصية باربارا مسعد على الورق، فهو يتمحور حول موضوعين عزيزين على قلبها، الطعام والتصوير، ويحاكي أيضاً طبيعةً إنسانية كريمة، وموهبةً في التواصل مع الآخرين والتفاعل معهم بسهولة.
 
الكرم ليس غريباً عن ثقافة الطعام
لقد تبلوَر هذا المشروع بسلاسة، كما يجدر بكلّ المشاريع الخيّرة أن تتشكّل. فكان اختيار الحساء رمزياً: وهو الطبق المثالي لتجسيد الراحة والدفء والطواعية، يتشارك في احتسائه الكثيرون ويُقيتهم. ولهذه الغاية دعت باربرا أصدقاء وزملاء طهاةً لإرسال وصفات حساءٍ بغية تغذية كتاب الطهو من جهة، ولتتمكن من مواصلة زياراتها الأسبوعية لتقديم الطعام إلى اللاجئين في المخيّمات من جهة ثانية.
وعلى هامش دردشة خلال حفل عشاء في لندن حول جهودها الإغاثية تلك، عرضت باربارا رسماً تخطيطياً أوّلياً للكتاب أمام ميشال مشبّك، الذي سبق أن نشر كتابَ طهو من تأليفها بعنوان «منقوشة من فرن على زاوية الطريق في لبنان». فتعاطف مع فكرة الكتاب على الفور، وهو الفلسطيني الأصل الذي هربت عائلته إلى لبنان ومن ثم إلى الولايات المتحدة بسبب الحروب التي لاحقتها تباعاً. وهكذا بدأت تتضح معالم مبادرة «الحساء من أجل سوريا».
ولتمكين المشروع، بادرت كل من دار «إنترلينك بابليشينغ» وباربرا إلى التواصل مع معارفهما، والاتصال بطهاة مشهورين من العالم لتبدأ وصفات الحساء بالتدفّق. وقد شارك هواة إعداد الطعام وطهاة محترفون باقتراحاتهم الخاصة حول تحضير الحساء وتنكيهه..
ومن أصل مئات الوصفات التي تم جمعها، وصل 80 منها فقط إلى صفحات الكتاب المئتين وثمان. وفي هذا الإطار، تقول مسعد: «إستندت معايير انتقاء الوصفات إلى مدى سهولتها وملاءمتها». هي التي استضافت في منزلها خلال مرحلة الإختيار، فريقاً من عشرة أشخاص تولّوا معاً مهمة تحضير الوصفات والتثبّت منها، فكانت المرحلة «الأكثر متعةً في التجربة بأكملها».
وقد أسهمت في الكتاب أسماء مرموقة في عالم الطهو، ومن ضمنها كتّاب ونُقاد وناشطون مشهورون (مثل مارك بيتمان، أنطوني بوردان، سالي باتشر، جريج معلوف، باولا وولفرت)، وشخصيات من برامج تلفزيونية، وأصحاب مطاعم معروفون ومدوّنون متخصّصون في مجال الطعام، إضافة إلى حفنة من عشاق الطعام مثل باسكال حارث، التي تولت مهمة التصميم الغرافيكي للكتاب.
كما تحدّث المشاركون عن مساهماتهم والقضية التي يتبنّونها على وسائل التواصل الاجتماعي، ما ساعد في الترويج للمشروع في سبيل جمع التمويل اللازم، كما شجّعوا على مشاركة صور وتعليقات عن الوصفات التي يطهونها.
وقد حقق الكتاب نسبة مبيعات واعدة حتى قبل إطلاقه رسمياً. وبحسب مسعد، يتوقع الناشر أن يصل عدد النسخ المباعة في أنحاء العالم إلى حوالى 250 ألف نسخة. وفي هذا الإطار، تضمن حفل جمع التبرعات الذي أقيم في بيروت لإطلاق الكتاب وتوقيعه أنشطةً عديدة شملت معرضاً للصور، ومنصّات لبيع الحلوى ولتذوّق الحساء في حضور عدد من المساهمين في العمل. وقد بادر المتطوعون إلى التبرع بالمكان الذي استضاف الحفل وبالمكونات اللازمة لعربات تذوّق الحساء، كما تكلفة طباعة الملصقات والصور المعروضة. ومن المفترض أن يُنظَّم في خلال الأشهر القليلة المقبلة عدد من الفعاليات والمناسبات التي تتمحوَر حول كتاب «حساء من أجل سوريا» ومنها حفل توقيع للكتاب في هولندا، وآخر في سيول على هامش مهرجان «آيجيو غوستا»، إضافة إلى إقامة جلسة حوارية في إطار «طاولة من أجل السلام».
إلا أن هذه الأنشطة ليست الوحيدة المرتبطة بالكتاب، إذ يشجع الموقع الإلكتروني لـ«حساء من أجل سوريا» (http://www.soupforsyria.com) على الانخراط في نشاطات مناسبة وذات صلة مثل «حفلات حساء»، ومبادرات لبيع الكتاب على النطاق الفردي، واقتراحات مشاركة في إطار فعاليات ومناسبات محلية أخرى.
ولكن الأهم هو التشجيع على شراء كتب الطهو مباشرة عبر الموقع لضمان أن يعود ريع 100 في المئة من العائدات إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين من أجل تمويل جهود الإغاثة الغذائية بشكل أساسي، إلى جانب تغطية تكاليف بعض الحالات الطبية التي لا تغطيها المفوضية.
A+
A-
share
كانون الأول 2015
أنظر أيضا
07 أيار 2020 بقلم بلال ملاعب، إقتصادي التنمية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية
07 أيار 2020
بقلم بلال ملاعب، إقتصادي التنمية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية
أحدث فيديو
كلما أعطيت الأرض أكثر، كلما أعطتك المزيد
SalamWaKalam
كلما أعطيت الأرض أكثر، كلما أعطتك المزيد
SalamWaKalam

كلما أعطيت الأرض أكثر، كلما أعطتك المزيد

تشرين الأول 06, 2023 بقلم يارا ضرغام، -
تحميل المزيد