الزوق ودواخينها... مدينة للسرطان والتهديد بالموت

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 24 آذار 21 بقلم باسكال صوما، صحافية 4 دقائق للقراءة
 الزوق ودواخينها... مدينة للسرطان والتهديد بالموت
©Adra Kandil
كما أن الطريق إلى جونيه أو الزوق أو طرابلس أو جبيل تعجّ في معظم الأحيان بزحمة السير، فهي أيضاً مزنّرة منذ سنوات بعيدة بدواخين معمل الزوق الكهربائي، وفي أيام الشتاء يمكن رؤية الانبعاثات السامة وهي تختلط بغيم السماء، ليشكلا معاً طبقة بيضاء فوق رؤوس السكان الذين باتوا يخشون التجوّل في مدينتهم أو الوقوف على شرفة أو فتح نافذة.

 

كما أن الطريق إلى جونيه أو الزوق أو طرابلس أو جبيل تعجّ في معظم الأحيان بزحمة السير، فهي أيضاً مزنّرة منذ سنوات بعيدة بدواخين معمل الزوق الكهربائي، وفي أيام الشتاء يمكن رؤية الانبعاثات السامة وهي تختلط بغيم السماء، ليشكلا معاً طبقة بيضاء فوق رؤوس السكان الذين باتوا يخشون التجوّل في مدينتهم أو الوقوف على شرفة أو فتح نافذة.

أجيال تأتي وأجيال ترحل، أما عمودا الزوق فباقيان. إنهما الأزمة المستعصية التي لم تستطع الدولة اللبنانية منذ عهودٍ طويلة إيجاد مشكلة لها، أسوة بمشكلات كثيرة أخرى، تنتظر بدورها معجزة من السماء. هكذا تحوّل عمودا الزوق إلى معلمين أساسيين من وجه المنطقة الحزين، وما زالا صامدين ينفثان دخانهما بسلام، فيما يواجه الأهالي خطراً صحيّاً واقتصاديّاً في كل يوم أو مشوار أو نفَس.

أنشئ معمل الزوق كمحطة لتوليد الكهرباء على الغاز عام 1956، إنما سرعان ما تحوّل إلى محطة لتلويث البيئة وتهديد حياة السكان وسلامتهم. فالوعود المتناثرة هنا وهناك منذ عشرات السنين، بإيجاد حلّ له، انتهت بالإندثار والنسيان. ومعمل الزوق ببرجيه الصامدين، على الرغم من تغيّر رؤساء وحكومات ونواب، بات بفعل التقاعس والمحاصصات مثالاً حيّاً لاستنزاف البيئة ونشر الأمراض والسرطانات، وتعريض سكان المنطقة لأخطار متنوّعة. ويقابل ذلك كله، إستمرار الضعف الشديد في تأمين حاجة هذه المنطقة وغيرها من المناطق اللبنانية من الطاقة الكهربائية.

"أعيش في الزوق منذ عشر سنوات، وقد تعايشت مع فكرة عدم فتح النوافذ والبلاكين. إشتريت نشّافة وصرت أنشر الغسيل داخل البيت، حتى لا يلوّثه الدخان المتصاعد من محطة التوليد"، تقول نجوى، مضيفة: "إبني يعاني من مشكلات تنفسيّة وصدريّة وهو في الخامسة، وذلك بسبب التلوّث!".

في هذا الإطار، يوضح الصحافي المتخصص في الشأن البيئي مصطفى رعد، أن "ملف الزوق الأسود يشكّل مادة دسمة للتداول منذ سنوات، وقد أدى إلى ارتفاع معدلات الإصابة بمرض السرطان والتأثير على الغطاء النباتي في المنطقة". يتابع: "الكثير من الذين يعيشون في القطر القريب من المعمل، إما فقدوا عزيزاً بالسرطان أو لديهم مصاب به، وعادة ما تنشط الأمطار الحمضيّة في هذه المناطق عندما تكون هناك مشكلة في الفلاتر، التي تقول شركة كهرباء لبنان إنها مطابقة للمواصفات البيئية، مع العلم بأن الخطة الوطنية لإدارة تلوث الهواء غير متطابقة مع المواصفات العالمية لمعايير تلوث الهواء، وتحتاج إلى تعديل فوري وسريع لحماية الناس من خطر الموت".

ويرى رعد أن "معمل الزوق والدخان الناتج منه يؤديان إلى أضرار صحيّة مرعبة في دائرة يتراوح قطرها ما بين 1 و20 كلم، من ضمنها الأمراض الصدريّة، وينتج منها ضيق تنفس وربو وأمراض تستهدف الجلد والعيون، كما تُشكّل خطراً على الأطفال على المدى القريب، إضافة إلى التسبّب بأمراض سرطانية بعد مرور 5 سنوات على استنشاق خليط الغازات السامة الموجود في السحب الدخانيّة السوداء".

علمياً، تدخل ضمن السحب السود المنبعثة غازات سامة مثل ثاني أوكسيد النيتروجين وثاني أوكسيد الكبريت والسخام وغيرها من المواد السامة التي نتنشقها بشكل يوميّ، يقول رعد، وقد أشارت دراسة أعدتها منظمة "غرينبيس" إلى إعلان مدينة جونيه الخامسة عربياً في نسبة تلوث الهواء عام 2018 بسبب كمية المعامل في هذه المناطق، منها معامل الزوق لإنتاج الطاقة.

معارك أهل الزوق مع محطة الكهرباء والتلوّث المنبعث منها يعود إلى عام 1973، تاريخ انبعاث دخّان كبريتي كثيف وسميك من مولّدات الفيول، ما سبب أضراراً في المزروعات حول المعمل في وطى نهر الكلب. ومنطقة الزوق تاريخياً، معروفة بسهلها الخصب ومرتفعاتها المزروعة باللوز والليمون والزيتون، كما كانت مقصداً لأهالي المناطق المجاورة والبعيدة للعمل والتعليم وحتى التسوّق، بفضل سوقها التجارية المزدهرة. وتبعد زوق مكايل 14 كيلومتراً من بيروت، وتمتد بين البحر والتلال والتي يصل أعلاها إلى ارتفاع 285 متراً.

لكنّ الإرث الذي عملت منطقة الزوق على بنائه والتمسّك به كهوية لها، هدّدته الحرب وتكاد دواخين الموت تقضي عليه، فأصبحت هوية المنطقة مرتبطة حكماً ببُرجيّ الموت. فـ35 ألف نسمة، يدفعون اليوم ثمن التحاصص والإهمال، وحتى الآن لا حلّ لمحطة التوليد الخطيرة التي تبثّ سمومها في الهواء والتربة والبحر، وفي أجساد السكان. حتى الآن لا حلّ على أرض الواقع، على الرغم من كثرة الاقتراحات على مدار السنين. النتيجة كانت أن بقي المعمل من دون توسيع ومن دون تطوير، ومن دون إنشاء معمل رديف في منطقة أخرى بما يخفّف الأضرار عن سكان المنطقة المحيطة به، في مقابل تزايد الأمراض السرطانيّة والصدريّة وتضرّر نوعية المزروعات والثورة السمكيّة، إضافة إلى تلوّث الهواء والمياه.

A+
A-
share
آذار 2021
أنظر أيضا
24 آذار 2021 بقلم أمال خليل، صحافية
24 آذار 2021
بقلم أمال خليل، صحافية
24 آذار 2021 بقلم جوي أيوب، باحث
24 آذار 2021
بقلم جوي أيوب، باحث
09 كانون الأول 2020 بقلم رنا الزين، محاضرة غير متفرّغة وباحثة في حامعة القديس يوسف - مستشارة في علم البيئة
09 كانون الأول 2020
بقلم رنا الزين، محاضرة غير متفرّغة وباحثة في حامعة القديس يوسف - مستشارة في علم البيئة
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
25 نيسان 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
25 نيسان 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
08 نيسان 2024 بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
08 نيسان 2024
بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
07 نيسان 2024 بقلم ربى الزهوري، صحافية
07 نيسان 2024
بقلم ربى الزهوري، صحافية
تحميل المزيد