منذ سبعة عشر عاماً، بدأ هشام رحلته من مدينته صور، واستطاع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي تقديم المدينة بصورتها الكاملة، الهادئة، والحقيقية. أنشأ "صفحة صور الرسمية" بهدف إبراز المدينة كما لم تكن من قبل. ورفض أن يُحوّل صفحته إلى مساحة إعلانية رغم كثرة الرسائل التي كانت ترده حول الإعلانات. كان يرى أن السياحة مسؤولية ثقافية، وأنّ صور تستحق أن تُبرَز لا أن تُستغل. أراد هشام أن يغيّر النظرة السائدة عن صور بأنّها مجرد وجهة بحرية صيفية. على صفحاته، تجد الحارات القديمة، الأسواق الشعبية، المساجد والكنائس المتجاورة، والميناء التاريخي الذي لا يزال يروي قصص الأجيال.
"صور ليست بحراً، بل فيها تاريخ وثقافة وتعايش"، يقول هشام. هذا التنوّع الديني والاجتماعي، الذي ينعكس على الشاطئ كما في الأزقة، يشكّل برأيه عنصر قوة وأساساً لبناء صورة منفتحة وسلمية عن المدينة.
عام 2019، وتحديداً في فصل الشتاء، أطلق حملته "لبنان إلى صور"، للتأكيد على أنّ المدينة لا تقتصر على السياحة الموسمية، بل يمكن أن تكون مقصداً في كل الأوقات. الرسالة كانت أقوى من التوقيت: صور ليست مجرد بحر، بل مدينة تعيش في كل الفصول. أراد أن يعيد رسم المشهد من زاوية مختلفة، ليقول إن الحارات القديمة، والأزقة المتشابكة، وروح الانفتاح التي تنبعث من تاريخ المدينة وتنوّعها، تستحق الاكتشاف على مدار العام. وبدلاً من التسويق التقليدي، اعتمد في النشر على الحكاية والصورة واللقاء المباشر مع الناس.
ورغم غياب الدعم المؤسساتي، تحرّك المشروع بقوة الدفع الذاتي، وبثقة هشام بمدينته وناسها. من خلال التواصل المباشر مع أصحاب الفنادق والمطاعم والمنتجعات، بدأ يجمع معطيات بسيطة، ما أدى إلى ارتفاع أعداد الزوار، لتنشط الحركة الاقتصادية.
لم تكن حملة "لبنان إلى صور" مجرد مبادرة، بل مساهمة هادئة في صناعة سردية محلية بديلة، تربط الناس بالمكان. في هذه المدينة، تبدو السياحة نفسها، كما يتخيلها هشام، مساحة للتقارب بين الناس رغم الاختلافات، وجسراً نحو السلام.
بالنسبة إليه، فإن كل جولة سياحية في صور هي فرصة لكسر الأحكام المسبقة، وبناء علاقات إنسانية حقيقية. يقول إن السياحة حين يُروّج لها بروح صادقة، يمكن أن تكون مساحة لبناء السلام. هذا السلام لا يصنعه السياسيون فحسب، بل قد يصنعه مرشد سياحي يروي حكاية صيّادين يتقاسمون الميناء بغض النظر عن انتماءاتهم. يرى أن إبراز صورة صور كمدينة تتسع للجميع، بغض النظر عن الدين أو الخلفية، هو بحد ذاته مساهمة في تعزيز ثقافة التعايش. يضيف: "عندما يرى الزائر هذا التنوّع الحقيقي، يشعر أن لبنان ليس بلد نزاعات فحسب، بل بلد الحياة مشتركة أيضاً".
رغم كل التحديات، لم يفقد هشام حماسه. على العكس، يؤكد أن الشغف لا يزال على حاله، ومعه زادت المسؤولية. "الناس تتابع وتنتظر، وكل تأخير في نشر خبر يُقابل بعبارة: هشام طولت علينا، ما يضعني أمام التزام مضاعف". ينشر هشام تحديثات بصورة شبه يومية، ويقدّم من خلال مجموعات إخبارية على واتساب موجزاً عن كل جديد في المدينة.
"هذه مدينتي"، بهاتين الكلمتين يعرب عن سبب تمسّكه بمتابعة الطريق رغم صعوبته، مؤكداً أن العمل الذي بدأ بشغف فردي، تحوّل إلى مسؤولية جماعية. أما أثر هذا الالتزام، فيظهر في ردود فعل الزوار التي تغيّرت نظرتهم إلى صور، بعدما تعرّفوا عليها من خلال منشورات لا تمثل جهة سياسية معينة، بل تنقل الواقع كما هو، بعين من يحب المكان.
على فيسبوك، تجاوز عدد المتابعين له 150 ألفاً، في مقابل أكثر من 300 ألفاً على إنستغرام، وأكثر من 200 ألف على تيك توك. أرقامٌ لا يستغلها للإعلانات، بل لبناء سردية تحفظ المكان وتقدّمه كما يجب أن يُرى.
لا يخفي هشام طموحه بخوض الانتخابات النيابية أو البلدية يوماً ما. يرى في نفسه شخصاً يملك رؤية ومقومات لخدمة الناس من موقع رسمي، بعدما خدم مدينته طوال 17 عاماً من موقع مستقل. السياسة بنظره، ليست هدفاً بحد ذاتها، بل وسيلة لتكريس العمل المحلي في إطار مؤسسات قادرة على توسيع نطاق الأثر.
ويؤكد هشام أن المشروع لم ينتهِ، بل هو في تطوّر مستمر، ويعمل في الوقت الحالي على إطلاق مبادرة سياحية جديدة بالشراكة مع بلدية صور ووزارة السياحة واستراحة صور، في انتظار التمويل اللازم للانطلاق. "ما زال أمامنا الكثير لنُظهره... والكثير لنبنيه"، يقول.