ليليان العماطوري... حين يتحوّل السفر إلى لقاء مع الإنسان

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر منذ 17 ساعة بقلم زينب غازي 6 دقائق للقراءة
ليليان العماطوري... حين يتحوّل السفر إلى لقاء مع الإنسان
"أنا ما بلّشت بشي (لم أبدأ بشيء معين)، كنت بس عم حاول (أحاول فقط) أكون أنا." هكذا بدأت ليليان العماطوري (28 عاماً) حديثها، هي التي اختارت العيش بعيداً عن القيود والتعقيدات.

ليليان، الفتاة القادمة من بلدة الباروك في قضاء الشوف في جبل لبنان، ليست مجرد مُرشدة سياحية أو صانعة محتوى، بل هي قصة فتاة بدأت من الصفر، من دون أي دعم، بعدما حلمت بأن تعيش حياتها كما تريد، وعلى طريقتها بصدق وعفوية. لم تكن تبحث عن الشهرة أو المال، بل عن حرية كاملة في التعبير عن ذاتها، وعن قصّتها التي حملتها عبر رحلاتها وتجاربها المتنوعة في أماكن عدة.

في بداية رحلتها، درست ليليان الطب، لكنها سرعان ما أدركت أن طريقها ليس هناك، وأنها لا تستطيع العيش في غرف مغلقة ودوامٍ صارم، فانطلقت نحو الهواء الطلق، والطرقات، واللقاءات العابرة.

خلال تفشي جائحة كورونا، وحين كان العالم يختبئ خلف الأبواب، كانت ليليان تفتح نوافذها نحو الحياة التي تحلم بها. سافرت إلى مصر، وحدّثت المصريين عن جمال لبنان، وأقنعت البعض بالمجيء واكتشاف هذا الوطن الصغير. لم تكن تروّج للأماكن الفاخرة، بل لسفرٍ يشبهها... بسيط، حقيقي، وقريب من الناس.

عن نفسها، تقول ليليان إنها لا تستطيع البقاء في وظيفة أكثر من ثلاثة أشهر، كما أنها تعجز عن الالتزام بالمواعيد والأوامر. الحرية بالنسبة إليها ليست خياراً، بل حاجة أساسية. لم تكن تبحث عن الأمان الوظيفي، بل عن ذاتها في كل تجربة، وعن المساحات التي تسمح لها أن تكون على طبيعتها.

حين سافرت إلى مصر، لم تكن قد بدأت بعد بمشاركة محتواها على "إنستغرام"، إلا أنها كانت توثق لحظاتها بالصور والقصص القصيرة. شيئاً فشيئاً، "صرتُ أرى في الكاميرا أكثر من مجرد ذاكرة". ففي صفحتها نافذة يمكن من خلالها نقل صورة لبنان الجميل، وربط الشعوب ببعضها البعض من خلال السياحة والتجربة الحيّة.

تعرّفت على مرشدين سياحيّين من مختلف الدول العربية، وبدأت تشارك يومياتها على شكل "ريلز"، توثق فيها محطات رحلاتها وتفاصيل الأماكن التي تزورها. تطور المحتوى تدريجياً، حتى باتت توثق كل سفراتها من خلال فيديوهات تُنشر على قناتها على "يوتيوب". هكذا، لم تعد مجرد مرشدة سياحية، بل أصبحت صانعة محتوى تسافر لتروي وتقرّب المسافات بين الناس.

انتشر حساب ليليان كمرشدة سياحية لبنانية بسرعة، وتابعها كثيرون أحبّوا عفويتها وصدقها في التقديم. النجاح بالنسبة إليها ليس صدفة، بل هدف تمضي نحوه بخطى ثابتة، وإيمانٍ بأنّ الحرية والإصرار كفيلان برسم طريقٍ يُشبِهُها. تقول: "لا أركز على السلبيات. كمية الحب التي تصلني أكبر بكثير من كل ما هو سلبي. لذلك، أركز على أهدافي فقط".

كانت نقطة التحوّل الحقيقية في مسيرتها هي عندما قررت السفر إلى اليونان، حيث أمضت شهرين في إطار عملها مع شركة سياحية تستقبل مجموعات لبنانية خلال الصيف. هناك، اختبرت للمرة الأولى متعة السفر مع أشخاص من ثقافات مختلفة لا يتحدثون لغتها ولا يشبهون عالمها، وكان لذلك أثر عميق في نفسها.

وفي مصر وتركيا، انفتحت أمامها أبواب جديدة. جورجيا كانت الرحلة التي تعتبرها بداية فعلية لانطلاقها على وسائل التواصل الاجتماعي. وحين ادخرت بعض المال، قررت الخروج تماماً من منطقة الراحة. هناك بين الطرقات والجبال، عاشت تجربة استثنائية: حقيبة على الظهر، وتنقل من خلال "الأوتوستوب"، وإقامة في بيوت مشتركة. 

كانت هذه المرة الأولى التي تسافر فيها وحدها، وتتنقل من مكان إلى آخر بإمكانيات بسيطة، وتوثّق كل ذلك عبر "ستوريز" على "إنستغرام"، قبل أن تبدأ لاحقاً نشر فيديوهات توثق تفاصيل تلك التجربة. تقول: "كنتُ أرغب في عيش تجربة مختلفة، وأن أكون مثل ابن بطوطة... أكتشف وأوثّق". كانت جورجيا بالفعل من أجمل التجارب في حياتها، كما تصفها، لا بسبب الأماكن فقط، بل لأن الطريقة التي اختارت بها أن تعيش الرحلة، جعلتها تصل إلى أماكن نائية، مثل أعلى قرية مأهولة في أوروبا.

رغم أن كلفة السفر قد تبدو مرتفعة، إلا أن ليليان تُدير مغامراتها بأسلوب مختلف. تقول إن تذكرة الطائرة هي الأعلى. أما التفاصيل الأخرى فتخضع لخطط دقيقة وذكية.

تعمل ليليان في لبنان كمرشدة سياحية، وتجمع من عملها ما يكفي لتنطلق في مغامرات جديدة. لا تُنفق على الكماليات... لا ثياب جديدة كل موسم، لا جلسات في مطاعم فاخرة، ولا إنفاق لمبالغ طائلة، بل تفضّل الطبيعة والأنشطة المجانية التي تُشبه روحها الحرة.

أولويتها واضحة. كل دولار توفره في يومياتها، تضعه جانباً من أجل السفر، وتستثمر فقط في ما يخدم عملها: أدوات تصوير، هاتف، كاميرا، ومايكروفون. وللسكن خلال السفر، تلجأ إلى "هوستيلز" أو تطبيقات استضافة مجانية، أو فنادق تعرض عليها تغطية إعلانية في مقابل استضافتها.

ومع تطور صفحتها على إنستغرام، بدأت تتلقى دعوات وعروض للتعاون من مؤسسات سياحية، بالإضافة إلى دخل إضافي من الإعلانات. إلا أن النقلة النوعية كانت لدى إطلاق قناتها على يوتيوب. بدأت توثق رحلاتها بفيديوهات كاملة، وحقّقت انتشاراً لافتاً مكّنها من الحصول على دخل من المشاهدات. 

لا تختار ليليان وجهاتها عبثاً. بالنسبة إليها، اكتشاف البلاد يبدأ من الناس لا من الحجر أو الطبيعة. حين تسافر، يكون هدفها الأوّل دخول البيوت، وتشارك الطعام مع الناس، والإصغاء إلى القصص، وبالتالي معايشة حياة الأهالي اليومية.

تجذبها البلاد التي لا تزال تحتفظ بعلاقات حيّة بين الناس... الذين لم تبلعهم الحياة العملية الحديثة. تقول: "لا يهمّني أن أرى معلماً أثرياً، بل يهمّني أن أرى إنساناً". هكذا كانت رحلاتها إلى باكستان وغيرها. لا تبحث عن رفاهية بل عن تجارب صادقة، حيث يُنظر إلى السائح كزائر لا كحساب مصرفي متنقّل. ومن هنا جاء محتواها: بسيط، عفوي، صادق، ينقل الحياة كما هي، لا كما تُجمّلها الإعلانات.

أما لبنان، فهو قصتها الأقرب والسبب في نجاحها، حين توثّق يوماً في قرية، أو غداءً على مائدة أهل الجبل، أو حديثاً دافئاً مع كبار السنّ. يتجاوب الناس بشغف كبير لأنها تُشعرهم أن البساطة لا تزال ممكنة. هكذا، بات محتواها عن لبنان الأوسع انتشاراً على إنستغرام ويوتيوب، لأنه صادق ويُشبه الناس وحياتهم العفوية.

تقول ليليان إنه حين تذكر باكستان، يتبادر إلى ذهن كثيرين العنف أو التطرّف. وهنا تسأل: "كيف يمكن أن نحكم على 240 مليون إنسان؟ لبنان كلّه لا يُشكّل نصف مدينة هناك". لهذا السبب، تسافر ليليان، لتُعيد رسم الصورة وتُظهر الوجه الآخر والحقيقي للناس الذين يشبهوننا أكثر مما نظن. تسجّل بكاميرتها اللحظات العفوية، وتفتح نافذة على ثقافات غالباً ما شُوّهت في الخطاب الإعلامي الغربي. وفي ما يتعلق بالتحديات، تتحدث عن انعدام الاستقرار، وصعوبة العمل الحر الذي يتأرجح بين المزاج والإرادة، لكنها تمضي لأن لديها هدفاً أكبر... "تعريف الناس إلى الناس من دون أحكام مسبقة". 

تصف ليليان السفر بأنه "الجامعة الأجمل في الحياة"، حيث تتعلم دروساً أساسها الاحترام وتقبل الآخر، مهما اختلفت ثقافته أو عاداته. بالنسبة إليها، السفر ليس مجرد تنقل بين الأماكن، بل هو فرصة لفهم الإنسان الآخر والاقتراب من جوهره بعيداً عن الأحكام المسبقة والصور النمطية.

تؤكد ليليان على أهمية التفاعل الحقيقي مع المتابعين، من خلال الرد على رسائلهم، ما يجعل محتواها مساحة للتواصل الإنساني. تؤمن بأن لكل شخص طريقه الخاص في الحياة، وترفض تقليد الآخرين، وتصر على بناء مسارها الخاص الذي يناسب ظروفها وأحلامها. وتختم ليليان حديثها قائلة: "السفر ليس مجرد رؤية أماكن جديدة، بل هو راحة للقلوب وعبرة لفهم الآخر كما هو، بلا أحكام أو قيود."

A+
A-
share
أنظر أيضا
07 حزيران 2025 بقلم زهراء عياد، صحافية
07 حزيران 2025
بقلم زهراء عياد، صحافية
17 حزيران 2024 بقلم جنى بيضون، طالبة في الجامعة الامريكية في بيروت
17 حزيران 2024
بقلم جنى بيضون، طالبة في الجامعة الامريكية في بيروت
17 حزيران 2024 بقلم ايليو مبيض، صحافي
17 حزيران 2024
بقلم ايليو مبيض، صحافي
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
15 حزيران 2025 بقلم زينب غازي
15 حزيران 2025
بقلم زينب غازي
14 حزيران 2025 بقلم فاطمة عيسى، صحافية
14 حزيران 2025
بقلم فاطمة عيسى، صحافية
09 حزيران 2025 بقلم ليندا السمان، صحافية
09 حزيران 2025
بقلم ليندا السمان، صحافية
تحميل المزيد