«الدولة الإسلاميّة» في طرابلس: بين الرغبة والاعتراف بالذات

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 نيسان 18 6 دقائق للقراءة
«الدولة الإسلاميّة» في طرابلس: بين الرغبة والاعتراف بالذات
تهدف هذه الدراسة إلى النظر في التطلعات إلى قيام دولة إسلامية في طرابلس - لبنان. وهي تسعى إلى تفكيك الخطاب السائد للخطر الجهادي في طرابلس والذي يدعو إلى إقامة خلافة إسلامية أو دولة إسلامية إلى مقوماته. ويظهر أن الإحساس بالظلم(1) هو الشكوى الأساسية وراء التطلع إلى حكم إسلامي.
لهذا الغرض، أجريت دراستي في الأحياء المحرومة في طرابلس في وسط المدينة وفي المدينة القديمة(2). واعتمدت الدراسة أداتي المراقبة والمقابلات المعمقة الشاملة مع بعض سكان وشخصيات ورجال دين، جميعهم ينتمون الى الطائفة السنية وإلى اتجاهات سياسية واجتماعية مختلفة.

تعكس طرابلس، وهي ضحية الفقر والعزل والتهميش والجبرية واللامساواة، صورة لمدينة تحتضن «الإرهاب» في حين يطالب سكانها الفقراء والمحرومون والمظلومون باستمرار بـ«حقهم في المدينة» بكافة الوسائل وبكافة التحالفات السياسية الممكنة. إذ على مدى ما يقارب قرناً وطرابلس تكدّس المحن. فتَلازم العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية (نعمة، 2013) خلال قرن ونيّف، والتي تفاقمت بفعل فشل السياسة اللبنانية وبفعل الحرب الأهلية، خلقت مناخاً من انعدام الأمن العام. ومع مقتل رفيق الحريري، وبعد خيبات أمل عديدة بنجله والزعيم السني الجديد سعد الحريري(3)، يشعر بعض سنّة طرابلس بأن ممثليهم قد خذلوهم. بالإضافة الى مواكبة المدينة للأزمة السورية في عام 2011 وتأثرها بها، ففي هذا الجو المشحون روّج الإسلام السياسي للتيارات الجهادية السلفية في طرابلس، وشجّع ظهور حركات متطرفة عنيفة متعددة، والتي تجلّت رغبتها في الخلافة ورفضها للدولة الحديثة.
وكشف لنا العمل الميداني أنه يمكن تقسيم المجموعات الموجودة في طرابلس من ميول وتحالفات سياسية مختلفة، إلى فئتين أساسيتين: الجماعات الإسلامية المتطرفة والجماعات الإسلامية المتطرفة العنيفة. وتختلف الثانية عن الأولى بترجمة أفكارها على الأرض. إذ يدفع الشعور بالظلم بهذه الجماعات إلى التحرك، ويزوّدها بالشجاعة لمواجهة نفسها بقوة ويؤجج الغضب. وهذا الشعور بالظلم ينشأ من غياب الاعتبار والتمثيل في الحياة الاجتماعية والسياسية، حيث تبرز باستمرار التباينات واللامساواة بين اللبنانيين. وإن الامتعاض المشترك لا ينفك يقرّب ما بينها ويوحدها في مواجهة تعسفيّة الحكومة اللبنانية وهيمنتها.
من بين جماعات الفئتين من تطمح إلى دولة إسلامية وأخرى أقل حماسة لهذه الفكرة. والتطلع إلى دولة إسلامية تعود جذوره إلى «الفراغ الاجتماعي» (باريل، 1982) الذي يعيشه هؤلاء السنّة المستبعدون من طرابلس. فهم لا يجدون اليوم مكانهم في مجتمع أصبح غريباً على نفسه، وفرغت حياتهم اليومية من أي معنى، وخسروا شعور الانتماء إلى مجموعات اجتماعية.
وتتأرجح العلاقة بفكرة «الدولة الإسلامية» بين الرغبة والرفض، وبالفعل لم يلاقِ مفهوم «الدولة الإسلامية» إجماعاً بين السكان الذين حاورتهم، وبالتالي كان تحديدهم لها إشكالياً.
بالنسبة إلى الأغلبية، يشير مفهوم «الدولة الإسلامية» أساساً إلى مطلب تطبيق الشريعة في دولة تبقى مسلمة وشاملة وموحدة ومعتدلة. فهم يرون أن دور الدولة هو الوصاية على الدين، حيث يُنظر إلى الشريعة نفسها ككفيل للحياة الاجتماعية والقانونية، في دولة يكون فيها الجميع حراً في معتقداته في المجال الخاص. وتتكوّن هذه المجموعة من المسلمين «الشاملين» بشكل رئيسي من أفراد عاشوا الحرب اللبنانية وانتقلوا من أيديولوجية إلى أخرى، ويبلغ عمرهم حوالي الخمسين سنة أو أكثر. وهم يؤمنون بالعدالة من خلال الديمقراطية والإسلام، ويعتقدون أن دولة إسلامية وليس الدولة الإسلامية (داعش) يمكن أن تكون عادلة ومتساوية، فهم يعتبرون أن دولة إسلامية تحكم بشكل عادل وتطبَّق فيها الشريعة كقانون الدولة، تكون طوباوية. وهم يؤيدون فكرة الحوكمة إسلامية التي تنادي بها وتناصرها الحركات الإسلامية المختلفة، مثال الإخوان المسلمين في تركيا كمجتمع إسلامي، من دون النزعة إلى تحقيق دولة إسلامية كما تطبّقها الأنظمة الإسلامية بالقوة وبفرض الإسلام على كافة السكان.
وهذا مراد يختلف تماماً عن «الدولة الإسلامية» التي يطالب بها «الإسلاميون الحنقون» والذين يشملون: الحركات الإسلامية والسلفية و/أو الجهادية العشوائية منذ ثمانينيات القرن العشرين. وهو يشبع الخيال السياسي للحركات الإسلامية الطرابلسية، ويفرض الإسلام من خلال العنف. وتتشكّل هذه المجموعة أساساً من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً. وينعكس انخراطهم الأول في الثورة السورية ولم يعرفوا سوى الإيديولوجية الإسلامية والطائفية المعروفة في لبنان.
إن الفارق الأساسي بين هاتين المجموعتين هو قبل كل شيء فارق بين الأجيال وتجاربهم المختلفة بين النضال من أجل الدفاع عن القضايا السياسية، والنضال من أجل الدفاع عن المصالح السياسية. وتفرّقهم فجوة مفاهيمية، فالدولة الإسلامية بالنسبة إلى المجموعة الأولى هي الكفيل الأول لحرية الاختيار لغير المسلمين، في حين ترى المجموعة الثانية أن على الدولة الإسلامية أن تفرض الدين بالقوة.
ومع ذلك، فبالنسبة إلى كل من «السنة الشاملين» و«الإسلاميين الحنقين»، إن الإسلام هو البنية المنظمة لحسهم بالعدالة، ويحدّد بقوانينه قواعد العدالة. وتتمثّل هذه القواعد أساساً بالنسبة إلى المجموعات السنية هذه بشغل مراكز سياسية نافذة، والعمل كفاعلين سياسيين. فيتحدَّون عدم المساواة السياسية على أساس الانتماء إلى الطائفة السنية. وعلى الرغم من أن هذا المطلب لا ينظمه الإسلام بطبيعته، ولا تدعو إليه الشريعة الإسلامية، فقد أصبح ذلك، بعد فشل التيارات التقدمية والقومية الماركسية.
وقد حاربت طرابلس الظلم لفترة طويلة. وغيّرت بعض الجماعات السنية في طرابلس أيديولوجياتها وانتماءاتها، ولكن لم تغيّر قضية أو نضالاً. بطموحها للعدالة بحسب تعريف راولز (1987) لها، وفقاً لإيديولوجية إسلامية الآن، تطالب الجماعات الاسلامية بدولة «عادلة»، ومفهوم الدولة العادلة نعود به إلى تعريف الفيلسوف الفرنسي ريكور، (1995). فالسنة الشاملون يوجهون إصبع الاتهام إلى «الإسلاميين الحنقين» لمسؤوليتهم عن حالة التقسيم والتطرف العنيف. فهم في الغالب يعارضون ممارساتهم التي تغيب عنها في نظرهم أي صلة بالحكم الإسلامي.
ويعتقد هؤلاء السنّة الشاملين أن طرابلس ليست أرضاً خصبة لبناء دولة إسلامية على غرار «داعش». فطرابلس مدينة مختلطة اجتماعياً ودينياً، ذات تراث اجتماعي وتاريخي غني، بحسب محمود ميقاتي، وهو مسؤول في بلدية طرابلس ومقيم في المدينة القديمة.
حتى السلفيون الجهاديون، الذين يشكلون مجموعة فرعية من «الإسلاميين الحنقين»، والذين يؤيدون تأييداً كاملاً دولة إسلامية مفروضة من فوق وبالقوة، لا يعتقدون أن «داعش» في شكله الحالي يستطيع أن يمتد إلى لبنان،  فهذا التنظيم لا يعكس صورة مجموعة مقاومة تناضل من أجل التحرر، والعديد من الشكوك تحوم حوله، كما قال الشيخ سالم الرافعي، وهو شيخ سلفي جهادي في طرابلس، في مقابلة معه في 10 تشرين الثاني من عام 2014.
ومع ذلك، ومن خلال مطلبها بدولة إسلامية، تطمح المجموعتان إلى دولة عادلة تحقّق المساواة، وهذا يتوافق مع الشريعة الإسلامية، ويحترم المساواة كما ينص عليها القرآن. وهكذا، فإن مبدأي العدالة والمساواة جزء من إطار سياسي واجتماعي لدولة إسلامية وليست للدولة الإسلامية (داعش) بالنسبة إلى المجموعة الأولى، ولكن كلاهما يتطلعان إلى اعتبار نسبي ووعود وحصص متساوية.

المراجع:
1. باريل (1982)، الهامشية الاجتماعية
Barel, Y. (1982). La marginalité sociale. Paris: PUF
2. غويين (1982). من حس بالظلم إلى العدالة الاجتماعية
Guienne, V. (2001). Du sentiment d’injustice à la justice sociale. Cahiers internationaux de sociologie, 1(110), 131-142
3. أديب نعمة (2013)، قياس الحرمان الحضري لاستخدام البلديات والمصالح الحضرية، استراتيجيات التنمية الحضرية لمعالجة الفقر في المنطقة العربية، الدوحة، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا.
4. راولز (1987)، نظرية العدالة
Rawls, J. (1987). Théorie de la justice. Paris: Le Seuil
5. ريكور (1995)، العادل.
Ricoeur, P. (1995). Le juste. Paris: Esprit

(1) تعود الجذور التاريخية لهذا الإحساس إلى اتفاقية سايكس بيكو والتي أدّت إلى ظهور مشكلة الانتماء عند سكان طرابلس.
(2) قمت بالعمل الميداني في طرابلس خلال فترات مختلفة بين عامي 2014 و2015.
(3) زيارته لسوريا والمصالحة بين جبل محسن والتبانة ومشاركته في الحكومة الجديدة.
A+
A-
share
نيسان 2018
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
25 نيسان 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
25 نيسان 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
08 نيسان 2024 بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
08 نيسان 2024
بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
07 نيسان 2024 بقلم ربى الزهوري، صحافية
07 نيسان 2024
بقلم ربى الزهوري، صحافية
تحميل المزيد