التطرُّف والمؤسسات الدينية والمجتمعات المدنية

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 نيسان 18 5 دقائق للقراءة
التطرُّف والمؤسسات الدينية والمجتمعات المدنية
سبق التطرفُ الديني الإرهابَ بالطبع. وقد تطور على ثلاث مراحل: مرحلة المخاوف من التغريب في المجتمع والدولة، ومرحلة البحث عن الشرعية، ومرحلة اعتبار الدين مناطَ تلك الشرعية. وفي المرحلة الثالثة هذه في الستينات والسبعينات من القرن العشرين حدث الانقسام بين الإحيائيين الإسلاميين في طرائق تحقيق الشرعية، فذهب المنظِّرون للحلّ الإسلامي أحد مذهبين: تحقيق الدولة الإسلامية الشرعية بالتدريج وصولاً إلى التمكين، أو المُضيّ إلى العنف لتحقيق ذلك على أرض الواقع.
إنّ أصل التطرف هو اعتبارُ الإسلام ديناً ودولة. ثم القول إنّ الدين لا يمكن إعادةُ فرضه إلاّ بسلطان الدولة، التي ينبغي أن يقودَها الإسلاميون. ولذلك فإنّ الفريقين: القائل بالتدرج، والقائل بالقتال، هما في الأصل النظري واحد.
أين كانت المؤسسات الدينية من هذا التطور، وأين كان المفكرون التحديثيون او المدنيون؟ أما التحديثيون فراحوا يتحدثون عن «الموروث الديني» الذي ينبغي الخلاص منه للتمكن من الدخول في الحداثة. ولذلك، وقبل حصول العنف الديني؛ فإنّ هؤلاء كانوا يرون أنّ المؤسسات الدينية إما متخاذلة أو متواطئة، وفي كل الأحوال فإنها فشلت في عملها على إدارة الدين، وينبغي إصلاحُها إصلاحاً جذرياً أو الاستغناءُ عنها.
أمّا المؤسَّساتُ الدينية فلم تحسِمْ أمرها لجهة مقولة: الإسلام دين ودولة، وقد أُنتجت تلك المقولة خارجَها من جانب إحيائيين عقائديين من غير فئة العلماء التقليديين. ولذلك ما اعترضت كثيراً على المقولة التي قادتها جماعات التدرج، ودخلت معها نوعاً ما وبدون ارتياح، فقالت بتقنين الشريعة، ثم بتطبيقها. لكنّ تلك المؤسسات بدت شديدة القلق من «العنف الديني» الذي بدأ ينتشر في سبعينات القرن العشرين بالدواخل الاجتماعية، وانحازت إلى سلطات الدول الوطنية التي تصدّت لذلك العنف المُوجَّه إليها، دونما عودةٍ إلى مُراجعة المقولة التأسيسية لذلك العنف. وذلك إلى أن حصلت هجماتُ القاعدة على الولايات المتحدة، وصار «الإرهاب الإسلامي» مشكلةً عالمية. وصار المطروح لدى المتطرفين العنيفين مقولة الفسطاطين: فسطاط الإيمان، وفسطاط الكفر. ومنذ ذلك الحين، وللمرة الأولى، صارت مواجهة العنف باسم الإسلام أولويةً لدى المؤسسات، بدلاً من الانهماك الدائم بمجادلة العلمانيين. ثم عادت مسألة التسييس المفرط للدين ففرضت نفسَها، عندما أعلن متطرفو داعش عن إقامة دولة الخلافة الإسلامية. ولذلك، وللمرة الأولى، اعتبرت المؤسساتُ الدينية أنّ التسييسَ مُضِرٌّ بالدين، وأنّ ثُنائية الدين والدولة تجعل الدين عُرضةً للنزاع والانقسام من حوله، بدلاً من أن يكونَ عنصر توحيد وتلاؤم وسكينة.
إنّ التطرف في نظر علماء المؤسسات الدينية اليوم يعني: تكفير الآخرِ المسلم وغير المسلم، ويعني أنّ الدولة ركنٌ من أركان الدين، وتعتمدُ شرعيتُها عليه أو على إحقاقه، وهو بسبب الطابع العقائدي الذي يسيطر عليه وفيه قد يدفع باتجاه العنف في مواجهة الدول والمجتمعات والعالم. ولذلك لا بد من مكافحته ومكافحة مظاهره، سواء أكان عنيفاً أم انعزالياً.
وعندما نذكر المؤسسات الدينية في العالم العربي فإننا نعني بها: الأزهر بمصر، والمؤسسة الدينية السعودية، والمؤسسة الدينية المغربية. وقد لحقت بها المؤسسة الدينية الأردنية. وهي تنشَطُ في السنوات العشر الأخيرة بعدة اتجاهاتٍ داخليةٍ وخارجيةٍ، وتعاوُنيةٍ في ما بينها، فتُقيم المؤتمرات وورش العمل، وتعمل على تصحيح المفاهيم التي تحرّفت مثل الدين والشريعة والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلائق الدين بالدولة، وتقيم مراكز ومؤسسات تدريب الائمة والمدرّسين، وتشتغل على تغيير البرامج التعليمية، وتعملُ على الانفتاح على المؤسسات الدينية في العالم المُعاصر. ولديها ثلاثة أهداف رئيسية: مكافحة ظواهر التطرف والعنف بما يمنع تكوّن أجيال جديدة، واستعادة السكينة والاستمرار في المجتمعات، وتغيير صورة الإسلام المنتشرة في العالم، والمتسببة في تفاقم ظواهر الإسلاموفوبيا.
وبالطبع، فإنّ هذه النشاطات جميعاً، تتطلب إصلاحاً بنيوياً داخلياً في تلك المؤسسات. إذ سيطر فيها وعليها الترهُّل، وتأخرتْ معرفياً وتنظيمياً، وخضعت لضغوطٍ وتضييقات من جانب السلطات في العقود الماضية. وقد جمعتُ الإصلاحات الضرورية في مصطلحين: التأهُّل والتأهيل. وعنيتُ بالتأهُّل إعادة البناء المعرفي والتنظيمي. ففي مجال البناء المعرفي، فوجىءَ علماء المؤسسات بظواهر التطرف والعنف التي ما توقّعوها وما كانت عندهم إجاباتٌ عنها. ولذلك هناك انصرافٌ اليوم للتعرف بطرائق علمية على المجتمعات، وانصرافٌ أكبر لإرسال البعثات للتخصص في العلوم الاجتماعية، وفي فلسفة الدين، وفي التعرف على الديانات الأُخرى وتجاربها مع الحداثة، وفي التدرُّب على الحوار وعلى الوسائل التربوية الجديدة، والدخول إلى عوالم وسائل الاتصال. وقد أسس الأزهر مرصداً كبيراً لمتابعة حركة العالم والعالم الإسلامي على وجه الخصوص. وفي مجالات التأهيل فإنّ ذلك يتناولُ التدرب على التواصل مع الجمهور ومع الطلاب والشباب، وإيجاد المعاهد المتخصصة أو البحثية في كليات العلوم الدينية التقليدية، والتعاون مع المعاهد المماثلة في العالم.
وما خرج متطرفون أو إرهابيون كثيرون من صفوف المتعلمين في المعاهد والجامعات الدينية، بل صنعت المتطرفين المدارسُ الدينية الخاصة بتلك الجماعات على اختلاف تسمياتها. وإنما رغم ذلك يبقى السؤالُ عن القدرة على التأثير في الشبان والشابات، وهو الأمرُ الذي يقتضي معارف جديدةً، وأساليب جديدةً، وتنظيماتٍ جديدة.
وكما لا يزال ينقص المؤسسات الكثير لإعادة البناء وتجديد الخطاب وجعله أكثر فاعلية، فإنه ينقُصُها التعاوُن مع المثقفين والإعلاميين. فالفئتان لا تزالان شديدتي الإعراض عن المؤسسات الدينية باعتبار محافظتها وجمودها. وهذه ظاهرةٌ سلبيةٌ لا بد من الخروج منها وتلافيها، لأنّ التحديات ضخمة، وهناك حاجةٌ شديدةٌ إلى التعاون والتضامُن وتبادلُ الخبرات، من أجل مواجهة الأخطار على الدين والدولة.
لقد حدث في مؤتمرٍ ضد التطرف بين الأزهر ورابطة العالم الإسلامي، أن طرحتُ ثلاثة أهدافٍ لا بد من العمل عليها معاً: إستعادة السكينة في الدين، واستنقاذ الدولة الوطنية، وتصحيح العلاقات مع العالم.
إنّ العمل الذي جرى القيامُ به خلال عقدٍ وأكثر كبير وكثير. لكنّ تحديات الثوران الديني، التي تتهدد الدول والمجتمعات لا تزال قائمةً وما خمدت. ومن هنا يأتي واجبُ الاستمرار في الكفاح ضد التطرف والإرهاب، والذي يُعيدُ إلى الناس الثقة بدينهم وأنفُسهم في بلدان العرب، وبلدان الغرب والشرق.
إن المصطلح المفتاح في هذا الصدد يبقى مصطلح السكينة، فهو أوضح المعاني لما نقصده بالإسلام المعتدل. ويكون تحقيق السكينة لدى الأفراد ذوي الحساسية، وفي المجتمعات المحلية، بخطابٍ جديدٍ يتناول عدة أمور (بحسب إعلانات الأزهر): تحريم التكفير والعنف، ونشر روح الأخوة بين الناس، وإدانة تسييس الإسلام بشتّى السبل، والعمل مع الناس على إقامة أنظمة الحكم الصالح والرشيد.
A+
A-
share
نيسان 2018
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
25 نيسان 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
25 نيسان 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
08 نيسان 2024 بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
08 نيسان 2024
بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
07 نيسان 2024 بقلم ربى الزهوري، صحافية
07 نيسان 2024
بقلم ربى الزهوري، صحافية
تحميل المزيد