الحالة الراهنة
يتضمن التقرير السنوي الأول عن العمل المنجز في إطار هذه الاستراتيجية والمنشور في أيلول/سبتمبر 2021، عرضاً مفصلاً لسلسلة من القوانين تم إقرارها أو تعديلها وفقاً للمعايير الدولية واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها لبنان في عام 2008. وهي تشمل قوانين خاصة بمكافحة الإثراء غير المشروع، واستعادة المكاسب المتحصل عليها على نحو غير مشروع، وإدارة تضارب المصالح، وحماية كاشفي الفساد، والحق في الوصول إلى المعلومات. كما تم اعتماد قانون يتعلق باصلاح الشراء العام. وتم اتخاذ تدابير لتعزيز النزاهة في الوظيفة العامة وتطوير صلاحيات الهيئات الرقابية المسؤولة عن مكافحة الفساد، ولا سيما التفتيش المركزي، الهيئة العليا للتأديب وديوان المحاسبة.
ولكن لم تُنشأ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إلا في كانون الثاني/يناير 2022، اذ وقّع رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوم تشكيلها بعد مرور عشرين شهراً على اعتماد الاستراتيجية. وتضم الهيئة ستة أعضاء، أربعة منهم تعيّنهم الحكومة واثنان من القضاة المتقاعدين برتبة الشرف يتم انتخابهم من قبل القضاة. وهي تتمتع باستقلال مالي وإداري ويمكنها التصرف بمبادرة منها أو على أساس شكاوى من الكاشفين عن الفساد.
"لا خطوات ملموسة"
توضح وزيرة الدولة لشؤون التنمية الادارية في حكومة تصريف الاعمال نجلا رياشي، عضو في اللجنة الوزارية والتي ترأس أيضاً لجنة فنية مسؤولة عن رصد تنفيذ الاستراتيجية قائلة أنه "قبل أن تبدأ الهيئة الوطنية عملها، يجب أن تعمل على تنظيمها الداخلي، وتطّلع على مهامها، وتحظى بدعم العديد من الفرق. هذا الأمر يتطلب وقتاً طويلاً في ضوء الأزمة الماليّة التي تمر بها البلاد". وتضيف رياشي انه "قبل نشر التقرير الأول، جمعت الوزارة المعلومات من الإدارات والمؤسسات العامة وحصلت على بعض التعقيبات. وفي حالة الإحجام، فإن الأمر متروك للهيئات الرقابية ومجلس الخدمة المدنية للاستفسار من الجهات المعنيّة". وقالت إن "مسؤولية المساءلة لا تقع على عاتق الوزارة بل على عاتق الهيئات الرقابية" التي سبق ذكرها. واعتبرت أنه "حتى الآن، لم تُتَّخذ أي تدابير ملموسة على هذا المستوى. من الضروري خلال الفترة المقبلة تفعيل القوانين المعتمدة، وتوقيع المراسيم اللازمة لتنفيذها، وانطلاق عمل الهيئات الرقابية". وفي حين يتولى مجلس الوزراء الحالي التعجيل في تسيير الشؤون الراهنة، تؤكد السيدة رياشي أن العمل سيتواصل من خلال اللجنة الفنية التي ستستمرّ في رئاستها.
في حين أن استراتيجية مكافحة الفساد تفي بمتطلبات صندوق النقد الدولي الذي توصل لبنان معه إلى اتفاق مبدئي في أوائل نيسان/أبريل، من شأن تنفيذ الاستراتيجية أن يفرج عن المساعدات الماليّة. تتعلق هذه الاتفاقية ﺑ "تسهيل الصندوق الممدد" (FEF) كجزء من خطة مساعدات تبلغ قيمتها ثلاثة مليارات دولار، تمتد على أربع سنوات. يتطلب صندوق النقد الدولي تنفيذ إصلاحات جذرية في البلاد، مثل إعادة هيكلة القطاعين المصرفي والعام التي يجب أن تشمل المساءلة، أحد الأهداف الرئيسية للاستراتيجية.
استقلاليّة السلطة القضائية
"بغض النظر عن القوانين التي تم إقرارها، فإنّ لبنان متأخّر جداً فيما يخص الخطوات التي يتعيّن اتّخاذها ومتطلبات المجتمع الدولي"، أعلنها بأسف كريم ضاهر، رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين (ALDIC) وعضو الفريق الرفيع المستوى المعني بالمساءلة المالية الدولية والشفافية والنزاهة بغية تحقيق خطة التنمية المستدامة 2030 (FACTI). وأضاف قائلاً إنه "لم تُتَّخذ أي خطوات ملموسة حتى اليوم بشأن استعادة المكاسب المتحصل عليها على نحو غير مشروع". وقال "تم الإبلاغ عن تقدّم طفيف بخصوص الإثراء غير المشروع". ويرى المحامي أيضاً أن "الفساد آخذ في الازدياد في الإدارة العامة التي شهد موظفوها انخفاضاً كبيراً في رواتبهم نتيجة لتدني قيمة العملة الوطنية"، فيما يعيش أكثر من ثلاثة أرباع اللبنانيين الآن تحت خط الفقر، وفقاً للأمم المتحدة.
وأشار ضاهر إلى أن "السلطات الرقابية أجرت كشفاً، ولكن ماذا عن تطبيق العقوبات التي نصّ عليها القانون؟" على مستوى السلطة القضائية، لا يزال هناك ارتباك، حيث يُعتبر العديد من القضاة مقربين من السياسيين. كما أن استبدال بعض الأشخاص في السلطة ممن ارتكبوا تجاوزات أمر مطلوب أيضاً من أجل وضع حد للإفلات من العقاب"، يضيف محامي الضرائب، معرباً عن أسفه لظاهرة الإفلات من العقاب المستشرية في البلاد.
ذكرت جمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية (LTA) في تقريرها الأخير الذي نُشر في كانون الثاني/يناير الماضي، أنه وفقاً لمؤشر مدركات الفساد الخاص بها، يحتل لبنان المرتبة 154 من بين 180 دولة. وفي هذه الصدد قال كريم ضاهر "عندما نبدأ بمعاقبة بعض المسؤولين تُستعاد الثقة بالقضاء"، مشدداً على ضرورة اعتماد قانون يعزز استقلاليّة السلطة القضائية.
وأطلق هذه الدعوة أيضاً جوليان كورسون، المدير التنفيذي للجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية، بقوله أنه "رغم أن القانون يحمي المواطنين، لا يزالون مترددين في الإبلاغ عن حالات الفساد لما قد يترتب على ذلك من تداعيات، لا سيما على المستوى القضائي، في حين أنه يتعيّن على هذه السلطة مواجهة العديد من التحديات". وفقاً لكورسون، " لا يزال تنفيذ الاستراتيجية بطيئاً بعد عامين من إطلاقها، ولا يتماشى مع احتياجات البلاد حيث أن الأزمات الاقتصادية والمالية والسياسية التي عصفت بها تؤثر سلباً على أداء المسؤولين".
إشراك المجتمع المدني
يوضح السيد كورسون أن "المجتمع المدني يلعب دوراً رقابياً ويجب أن يحرص على قيام اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد بتطبيق القانون بطريقة حيادية وتحملّها مسؤوليّاتها بصورة مستقلّة". ويضيف كورسون قائلاً أنه "يمكن للمواطنين أيضاً تقديم المساعدة الفنيّة والتقارير بهدف دعم عمل هذه الهيئة"، مردداً الملاحظات التي أبداها السيد ضاهر.
وأعلن ضاهر أن "مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية تواصَل مع المجتمع المدني مرّات عديدة خلال فترة تولي الوزير السابق دميانوس قطار وخليفته الوزيرة نجلا رياشي منصبهما على رأس الوزارة" وأفاد بوجود "تعاون جيد" بين الطرفين. وقال "إلا أن هذا ليس كافياً. لا تزال ثقافة الكاشفين عن الفساد جديدة في لبنان حيث لا يعلم سوى عدد قليل من الناس عن الحماية التي يتمتع بها الكاشفون عن الفساد. لذلك، للإعلام دور في إذكاء الوعي على هذا المستوى".
في حين أن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد مهّدت الطريق للحكم الرشيد، يرى ضاهر، "أن ما تمّ تنفيذه حتى اليوم غير كافٍ". وقال "بعد الانتخابات النيابية التي أجريت في 15 أيار/مايو يمكننا أن نأمل ببداية التغيير"، مشيراً إلى أنه تم انتخاب العديد من النواب المستقلّين واخرين من الانتفاضة الشعبية ضد الطبقة الحاكمة. ويخلص المحامي إلى القول أن "هذا الطريق طويل. وسوف يتبين ما إذا كان سيُسلك نتيجة للضغوط السياسية الداخليّة أو الضغوط الدوليّة أو كليهما".