سياسة فعالية النقل في لبنان: وعود دون تنفيذ

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 19 أيلول 22 بقلم فرح منصور، صحافية 8 دقائق للقراءة
سياسة فعالية النقل في لبنان: وعود دون تنفيذ
منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم وضعت الدولة اللبنانية عدد خطط لتسيير النقل في لبنان ولكنها لم تكن إلا حبراً على ورق ولم يتبع منها إلا القليل. فالسياسات التي وضعت كان ينقصها الكثير من التمويل لإتمام دراستها وادخالها التنفيذ. وفي أواخر التسعينيات تدهور قطاع النقل العام في لبنان للأسوأ، على مرأى الحكومات المتعاقبة حينها والتي لم تبذل أي منها جهداً كافياً للإستثمار فيه وتحسينه من أجل تأمين نقل مشترك يسعى لتخفيف زحمة السير وتخفيف الأعباء المالية على المواطنين.

وبحسب بسام طليس، رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري فإن الحكومات لم تعتمد على سياسة فعالة للحفاظ على حقوق أفراد النقل البري، وأن تعرفة بدل النقل تغيرت منذ التسعينيات حتى اليوم تباعاً للأوضاع الإقتصادية، علماً أنها ثبتت لفترة طويلة قبل الأزمة الإقتصادية، ومع بداية الإنهيار المالي منذ عام 2019 وتدهور الليرة اللبنانية وارتفاع أسعار المحروقات. لم يعد بإسطاعة الدولة والنقابات المعنية بالسيطرة على تثبيت التعرفة الرسمية. فإختلفت من سائق إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى وبعد أن كانت لأعوام كثيرة لا تتعدى الألفي ليرة لبنانية وصلت في بعض المناطق إلى 40 و50 ألف ليرة للراكب الواحد. وفيما حددت سابقاً ترفعة الفانات ب 500 ليرة و1000 ليرة، وصلت مؤخراً إلى 20 و 30 ألف. وتقع هذه المسؤولية على عاتق الحكومات والدولة التي كان من واجبها تأمين أسعار ثابتة للمحروقات أو المساعدة في تثبيت الدولار الأميركي. هذا إلى جانب ضمانة حقوق أفراد العاملين في هذا القطاع الذين عانوا من أوضاع إقتصادية صعبة منعتهم من إعتماد تعرفة موحدة وجعلتهم في دوامة اضرابات لا تنتهي. وحاولت النقابة تسيير الأمور عبر تكثيف الإتصالات واللقاءات والإجتماعات واعتماد الإضرابات لإيصال الصوت للدولة اللبنانية وايحالة جميع المشاكل إلى الحكومة لحثها على ضرورة تحديد اجتماعات للجنة الوزارية للبحث في مشاكل هذا القطاع ومحاولة معالجتها عبر دعم هذا القطاع قبل انهياره. إلا أن كل هذه الإجراءات لم تجد نفعاً.

ويعتبر قطاع النقل الواجهة المدنية الأولى للبلد، حيث يلعب دوراً حيوياً في مختلف الأصعدة لاسيما على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي والبيئي في لبنان. إذ يساهم نجاح هذا القطاع في تخفيف زحمات السير الخانقة في لبنان، ويقلص من نسبة التلوث ويساهم في تخفيف الأعباء المادية على المواطنين. وعانى اللبنانييون منذ التسعينيات حتى الساعة، من أحداث دامية عصفت ببلدهم وتدهورت معظم القطاعات الإنتجاية وخصوصاً قطاع النقل. وعلى الرغم من أهميته إلى أن كل الجهود التي بذلت لتحسينه وتنشيطه لا تزال غير كافية للنهوض به. وأولت لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه عام 2000 والتي ترأسها النائب السابق محمد قباني أهمية كبرى لهذا القطاع، فعقد الكثير من الإجتماعات والندوات وورش العمل لتسيير خطة واضعة للنقل وتطبيق أنظمة السير وصيانة الطرقات. إلا أن الإنجازات لم تكن كافية، إذ معظم المشاريع التي طرحت بقيت قرارات على الورق تنتظر التمويل الكافي لتنفيذها. وعملت اللجنة النيابية آنذاك على وضع شرعة خاصة لحقوق المشاة، وذلك لتأمين حركة كاملة للمشاة بدون عوائق، وتأمين مناطق حضرية مخصصة لهم وعلى أكبر قدر ممكن من المساحة لتتجانس مع تنظيم المدينة الشمولي. وتأمين أرصفة مخصصة لتنقل المشاة على أن تكون صالحة لتنقل من لديهم إعاقة. واعتماد على سياسة خاصة لتوفير مساحات لوقوف السيارات والمركبات الآلية في مواقع لا تؤثر على حركة المشاة ولا تضعف قدرتهم على التمتع بالمناطق المميزة معمارياً.

على الرغم من صدور هذا القرار والعمل على تنفيذه من قبل البلديات المعنية وخاصة بلدية بيروت، إلا أن هذا القرار كان ناقصاً ولم يعتمد في كل المناطق. فبلدية بيروت قامت بتنفيذه عبر توسيع الأرصفة وإزالة العوائق ليتمكن المشاة من التحرك بحرية ولحمايتهم من الحوادث. ولكن المشكلة التي حصلت هي وجود العوائق والحواجز الإسمنتية على الأرصفة والسماح لعربات الأطعمة الصغيرة بركنها على الأرصفة، أما في مناطق أخرى أعتبرت الأرصفة ممراً للدراجات النارية ولركنها عليها. وقد عانى هذا القرار من ضعف الدولة اللبنانية في تطبيقه وفرض عقوبات على المخالفين. ونستطيع القول هنا أنه على الرغم من إقرار هذا القانون والعمل على تنفيذه لم يطبق بنحو جيد فالكثير من المناطق لم تستطيع تأمين أي حق لذوي الإحتياجات الخاصة لتتنقل بأمان وحرية.

ووضع بعدها قانون جديد للسير، وذلك بعد دراسة أكدت أن حوادث السير تتسبب بوفاة 1،24 مليون شخص سنوياً حول العالم وجرح 50 مليون آخرين (من كتاب انجازات ونشاطات لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والكياه عام 2000 حتى 2018 الصادر من الجمهورية اللبنانية خلال ترأس النائب السابق محمد قباني لرئاسة اللجنة، صفحة 69). وأخذت لجنة الأشغال على عاتقها الإهتمام بموضيع السير منذ عام 2000 وقاموا بتطوير قانون السير الصادر عام 1967 وتحسينه، فوضع قانون جديد للسير وعملوا على تطبيقه. وبحسب المحامي زياد عقل، مؤسس اليازا، فإن قانون السير كان ولا زال بمثابة الحبر على الورق. فالسلامة المرورية تراجعت ولم تتحسن، وعلى الرغم من إشراف وزارة الداخلية على محاولة تطبيق فانون السير بين الحين والآخر ولكن الإهمال كان حليف هذا القانون. ويعود سبب عدم تطبيق هذا القانون إلى أسباب عدة ومنها غياب الإرادة السياسية الجدية وشبه غياب المسؤولية والمحاسبة. وضعف الإستراتيجيات والخطط لتنظيم السير وضعف التخصصية لتطبيق هذا القانون من قبل

الجهات المعنية كوزارة الأشغال التي يتطلب منها تحسين الطرقات وتعبيدها وملأها بإشارات السير، فالطرقات مليئة بالحفر التي تسبب يومياً حوادث السير وتعطل المركبات. كما يطلب من قوى الأمن الداخلي ووزارة الداخلية فرض هذا القانون بشكل يومي للحد من المخالفات. إضافة إلى عدم وجود أي عدالة وفعالية للعقوبة، فالعقوبات تساهم في التخفيف من المخالفات والفوضى في الطرقات. وبالرغم من المراسيم والتعديلات المستمرة لقانون السير، لم تكن إلا تعديلات طفيفة وغير جوهرية ولم تكن على مقدار ما هو مطلوب لتنظيم هذا القطاع وتأمين سلامة المرور. وأكد وزير الداخلية الحالي، بسام المولوي، على ضرورة تطبيق قانون السير ابتداءً من 20 حزيران الفائت، معتبراً بأن الوزارة وقوى الامن الداخلي ستتخذ الإجراءات اللازمة مع المخالفين. إلا أن المخالفات بدت واضحة في مناطق عدة، تمثلت بالسير في مركبات لا تحمل لوحة مرخصة، وفي توزع الدراجات النارية بطريقة فوضوية في بعض الشوارع وعدم ارتداء الخوذة او وضع حزام الامان واحترام اشارات السير وعدم تخطي السرعة المطلوبة وغيرها الكثير. علماً أن معظم الباحثين متفقون على أن جدية العقوبة والتشدد بها تساهم في حسن تطبيق قواعد السلامة المرورية.

مشاريع عدة طرحت منذ حوالي عقدين ولم تتطبق حتى اليوم، ومن بينها المشروع الذي طرحته لجنة الأشغال بعد دعوتها لزيارة اسطنبول عام 2002، وبالتنسيق مع البنك الدولي الذي وعد بتمويل جزء من المشروع فور المباشرة به. وهو عبارة عن توفير باصات للنقل السريع في مناطق لبنان كافة من الجنوب حتى الشمال. ومفاد المشروع هو توزيع باصات للتنقل من محطة إلى أخرى دون توقف مستمر. على أن يبدأ مساره الأول من محطة بيروت ويصل إلى المعاملتين ويكمل طريقه بعدها إلى طرابلس. وإنشاء خط آخر للجنوب وواحداً للبقاع. وأهمية هذا الخط هو الحد من ضغط المركبات في الشوارع وتسهيل التنقل بين المناطق. وقامت لجنة الأشغال عام 2002 بدراسة هذا المشروع وحول بعدها إلى نقابة الهندسة لإعداد خرائط تنفيذية له ودراسة تفاصيلها وطرق تنقله. وبعد أكثر من عشرين عاماً لا زال هذا المشروع غير جاهز، إذ يحتاج للدراسة والتمويل بدرجة أولى، ولا زال تحت الدراسة بعد عقدين من الزمن. لذا بقي هذا المشروع وهمي ولم ينفذ.

ونذكر أن لبنان في العقدين الماضيين اعتمد على باصات الدولة للنقل المشترك وتوقف هذا المشروع بعدها بسبب حاجة الباصات إلى الصيانة. إذ انتشرت سابقاً الباصات على خطوط عدة توزعت في بيروت وصولاً إلى الدكوانة وغيرها. وحالياً لا وجود لأي من هذه الباصات حيث تركن في بيروت بعد اهمال الجهات المعنية وعجزها عن تصليح البعض منها. إضافة إلى مشاريع تتعلق بإنشاء مراكز للمعيانة الميكانيكية في المنافذ البحرية والبرية وذلك للكشف على السيارات المستعملة المستوردة بغرض التأكد من مطابقتها لمواصفات الصنع، فيما بقيت هذه المشاريع مسجلة ولم ينفذ أي منها مع مرور أكثر من 15 عاماً وبقيت قيد الدراسة.

وفي منتصف أيار تسلم وزير الأشغال الحالي علي حمية هبة من فرنسا وهي عبارة عن 50 باصاً. وعلى الرغم من تأكيد وزير الأشغال على البدء بإعداد إطار قانوني جديد للنقل العام في لبنان على أن تكون الدولة فيه هي المنظم والقطاع الخاص هو المشغل مشيراً إلى هدفه الأساسي هو تفعيل المرافق العامة. ولكن حتى اليوم لم تبدأ الباصات بالعمل بالرغم من جهوزيتها. وبحسب مصادر من وزارة الأشغال فإن هذا المشروع لا زال قيد الدراسة ويحتاج لبعض الوقت.

أما فيما خص مشاريع التي طرحت لإضاءة الطرقات، فأوضحت وزارة الأشغال في شباط الفائت أن الدولة غير قادرة حالياً على استثمار أي مشروع جديد بسبب الوضع الإقتصادي وعدم اقرار الموازنة والتخبط الحاصل بسبب الإرتفاع الجنوني للدولار الاميركي. ولكن بسبب شكاوى المواطنون المستمرة وارزديادها وكثرة الحوادث في الآونة الأخيرة، قامت الوزارة مؤخراً بتعبيد بعض الطرقات، وخاصة المتضررة والتي تسببت بإعطال المركبات، ومنها طريق ضهر البيدر. ونذكر بأن المشاكل التي تعاني منها وزارة الأشغال هي قلة التمويل التي تساهم بشكل أساسي في تأجيل المشاريع بسبب إفلاس الدولة. هذا إضافة إلى مشاريع عدة كان يمكن الإستفادة منها إلا أنها لم تنفذ بسبب السياسة الناقصة.

وتبعاً لما عرضناه أعلاه، فإننان نخلص إلى القول بأن سياسة النقل في لبنان غير مطبقة أبداً، ولم يأت هذا الوضع وليد صدفة، إذ يعود غياب نظام نقل عام فعال إلى السياسات التي اتبعت منذ تسعينيات القرن الماضي والتي خلقت نظاماً قائماً على الإستدانة لتمويل هذه المشاريع ودفع الفوائد بدلاً من الإستثمار في البنية التحتية والخدمات العامة، وحصيلة اليوم في لبنان هي انعدام النقل العام والمشترك بعد عجز الوزارات المعنية على تأمين خطوط موحدة في المناطق، فلا ترامواي ولا خطوط لسير الباصات في مختلف المناطق وعلى الرغم من كل الوعود بإعادة إحياء السكك الحديدية لتفعيل خطط القطار فإن الفساد واضح من خلال ابقاء موظفي سكك الحديدية يتقاضون رواتب بالرغم من أن لا سكك حديدية مؤهلة منذ أكثر من 40 عاماً ولا وجود للقطار. وجل ما يملأ الطرقات حالياً هي الفانات المخالفة والسيارات والدراجات النارية، وتقوم هذه الثلاثية بمخالفات يومية عن طريق استعمال المركبات الخصوصية بديلاً عن النمرة الحمراء وعن السير في طرقات لبنان دون أي لوحة مسجلة، ونلاحظ أن الدولة غائبة ولا تقوم بعملها سوى عن طريق اقرار القوانين وتفعيلها إنما تبقى تحت الدراسات والتنفيذ لعقود كثيرة دون أي تبرير لذلك.

A+
A-
share
أنظر أيضا
13 شباط 2024 بقلم غيدا جابر، صحافية
13 شباط 2024
بقلم غيدا جابر، صحافية
03 شباط 2024 بقلم رزان العويني
03 شباط 2024
بقلم رزان العويني
03 شباط 2024 بقلم غدير حمادي، صحافية
03 شباط 2024
بقلم غدير حمادي، صحافية
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
25 نيسان 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
25 نيسان 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
08 نيسان 2024 بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
08 نيسان 2024
بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
07 نيسان 2024 بقلم ربى الزهوري، صحافية
07 نيسان 2024
بقلم ربى الزهوري، صحافية
تحميل المزيد