من الصراع إلى بناء السلام: دور الموارد الطبيعيّة

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 27 نيسان 22 بقلم مريم البوحاطي، باحثة 6 دقائق للقراءة
من الصراع إلى بناء السلام: دور الموارد الطبيعيّة
عدرا قنديل©
"لا يمكن أن تتحقـق التنميـة المسـتدامة في منـأى عـن السـلام والأمـن؛ كمـا أن انعـدام التنمية المستدامة يعرّض للخطـر إسـتتباب السـلام والأمـن". هذا مقتطف من خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي تهدف خلال السنوات التسع المقبلة إلى تشجيع اتخاذ إجراءات في مجالات هامة للغاية بالنسبة إلى الإنسانية وكوكب الأرض. يبدو أن القضايا البيئية محل اهتمام القادة، كما أنّ هناك تركيزاً متزايداً على المخاطر البيئية من جانب المنظمات الدولية ووكالات التنمية الدولية والمنظمات غير الحكومية منذ انعقاد قمة الأرض في عام 1992.

البيئات المتضاربة والصراعات البيئية

تمّ تحديد البيئة الإيكولوجيّة لأول مرة على أنها سبب محتمل للصراع العنيف في تقرير الأمم المتحدة لعام 1987 المعنون "مستقبلنا المشترك". منذ ذلك الوقت، بحث العديد من المؤلفين من مختلف التخصصات العلاقة السببيّة بين مدة الصراعات وحدتها وندرة - أو وفرة - الموارد، من دون التوصل إلى إجماع علمي على هذا الموضوع. يقرّ البعض بدور الموارد الطبيعية المتجددة على أنها سبب مباشر للصراع العنيف، أو عامل مساعد وسبب غير مباشر للصراع، أو على أنها نتيجة للضعف السياسي والاقتصادي والمادي للمجتمعات. ونظراً إلى الإهتمام المتزايد بالروابط بين البيئة والأمن، من المهم كذلك التحقيق في الآثار المباشرة وغير المباشرة للصراعات على الموارد في لبنان.

 

يُعد التسرّب النفطي في الجيّة مثالاً على النتائج المباشرة للحرب على البيئة. في 12 تموز/يوليو 2006، شنّت إسرائيل حرباً على لبنان دامت 34 يوماً، وفي 15 تموز/يوليو من العام نفسه قصفت القوات الجوية الإسرائيلية محطة حرارية لتوليد الطاقة في الجيّة على بعد 30 كيلومتراً جنوب بيروت. وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، أسفر قصف محطة الجيّة لتوليد الطاقة الكهربائية عن تسرب حوالى 15000 طن من زيت الوقود الثقيل في المحيط، مما أثار القلق في شأن تلوّث التربة والموارد المائية. تطرح هذه الحادثة أيضاً مسألة إستهداف الموارد الحيوية في الصراعات المسلحة. بالإضافة إلى التسرّب النفطي، أدت الأحداث الوحشية التي وقعت في تموز/يوليو 2006 إلى تدمير البنى التحتية المدنية، وتحديداً خزانات المياه التي أصيبت بأنواع مختلفة من الأضرار، والتي بدورها يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الصراعات والتوترات بين المجتمعات المحلية. ويساهم تغيّر المناخ والتدهور البيئي في تفاقم الضغط القائم على الموارد الطبيعية، مما يؤثر على الزراعة والصحة العامة والطاقة والمياه، وهي قطاعات حيوية في الاقتصاد اللبناني. كما تشهد البلاد بالفعل نقصاً في المياه في الوقت الذي تستهلك الزراعة 60 في المائة من إجمالي الطلب على المياه. وهي مهددة بنقص المياه بسبب الهدر والتلوّث والإفراط في الضخ والزيادة المتوقعة في الطلب على الاستخدام المنزلي، مما يؤدي إلى انخفاض توافر المياه لأغراض الري. 

 

وتتحمّل أزمة اللاجئين التي تعتبر نتيجة مباشرة أخرى للصراعات المسلحة قسطاً من المسؤولية عن الآثار السلبية على البيئة. تقدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اللاجئين موجودون الآن في أكثر من 1738 بلدة في أكثر من 133 موقعاً، ويشكل اللاجئون السوريون وحدهم أكثر من ربع السكان المقيمين في بلد يستضيف بالفعل عدداً كبيراً من اللاجئين الفلسطينيين. ويعمل تدفق اللاجئين على زيادة الضغط على توفير الخدمات الأساسية والوصول إلى الموارد مثل المياه والكهرباء، كما يزيد المنافسة على الموارد، مما يفضي إلى ضغوط بيئية. وتستضيف منطقتا شمال لبنان والبقاع ثلثي اللاجئين، وإلى جانب كونهما من أفقر المناطق في لبنان، فهما معرضتان بشكل خاص للمخاطر المناخية والبيئية مثل الفيضانات. ونتج من الوجود المطول للاجئين في ضوء القيود الشديدة على الموارد، والإنقسامات الطائفية الحادة، والإفتقار إلى سياسة حكومية رسمية في شأن تدفق اللاجئين الذي أدى إلى استيطان/استقرار اللاجئين السوريين بصورة متبعثرة بما في ذلك في المخيمات الفلسطينية، نشوء توترات كبيرة بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة.

 

بناء السلام البيئي

ركز العديد من الباحثين وخبراء السلام على الروابط بين البيئة والسلام، واعتبروا الموارد الطبيعية المشتركة أداة لحل الصراعات. يستند مفهوم "بناء السلام البيئي" إلى فكرة أن "الفوائد المتبادلة للتعاون تتجاوز منطق الصراع الذي يخدم مصالحه الذاتية، ويمكن أن تساهم في تهدئة النظم البشرية والطبيعية المشتركة بطريقة مستدامة ومتعددة الجوانب" (أناييس دريسّ وآخرون، 2019). الإفتراض الأساسي لهذا المفهوم هو أن القضايا البيئية تمثل فرصة للتحوّل من التنافس إلى الشراكة من خلال الإنتقال من الحدود الإدارية والسياسية الإقليمية إلى حدود النظم الإيكولوجية.

كما رأينا آنفاً، يمكن أن تكون الموارد الطبيعية مصدراً للخلافات بين الدول. ولكن يبدو أن التعاون البيئي العابر للحدود الوطنية يجمع بين الدول ويمهّد السبيل أمام الحوار والمفاوضات، وبالتالي يمنع التوترات المستقبلية ويعزز الشراكة العابرة للحدود الوطنية. هناك العديد من الطرق لتشجيع الحوار والتفكير، مثل إنشاء لجان توضع تحت رعاية المجتمع الدولي، وهي بدورها تلعب دور الوسيط، وتقوم بصياغة القوانين وإقرار البرامج، وما إلى ذلك.

 

على سبيل المثال، لم يؤدِ تقاسم مياه نهر النيل إلى صراع مسلح بسبب عملية التشاور التي قادتها الأطراف المعنية والتي أسفرت في نهاية المطاف عن إنشاء هياكل تعاونية مثل مبادرة حوض النيل التي تجمع بين/تضم وزراء من جميع الدول التي يمرّ فيها نهر النيل، وهذا بدوره أدى إلى إقامة حوار وإرساء مناخ من الثقة جعل من الممكن إنهاء الخلافات وطرح الشواغل المشتركة المتعلقة بتلوّث المياه.

على المنوال نفسه، كان لبنان ولا يزال مشاركاً في المفاوضات في شأن موارده المائية المشتركة. ومن الأمثلة على ذلك نهر العاصي الذي ينبع في لبنان، ثم يعبر في سوريا وتركيا ليصب أخيراً في البحر الأبيض المتوسط. على الرغم من أهمية تدفقه، لا يساهم النهر في تنمية منطقة الهرمل. فالمزارعون اللبنانيون يتزوّدون بالمياه من مستجمعات مياه/حوض نهر العاصي، لكن عمليات السحب لا تزال محدودة. كما أن عوامل مثل العلاقات اللبنانية - السورية والخلافات بين البلدين في شأن تقاسم هذا المورد المائي، والإحتلال السوري، والوصاية السورية التي تكرّست على لبنان في عام 1990، أعاقت أيضاً استغلال النهر من جانب اللبنانيين (بيار بلان، 2006). ولكن أُبرم اتفاق بين الدولتين الجارتين في شأن تقاسم مياه نهر العاصي في عام 1994 بعنوان "اتفاق توزيع مياه نهر العاصي النابعة في الأراضي اللبنانية بين الجمهورية اللبنانية والجمهورية العربية السورية".

 

على المستوى المحلي، قد يكون حل الصراعات التي تنشأ عندما لا يهتم السكان باستغلال الموارد ولكنهم يعانون من المضايقات التي تتسبب بها الشركات عبر الوطنية عديمة الضمير، على سبيل المثال، أكثر تعقيداً. يكمن حل مثل هذه الصراعات في إدراك هذه الشركات بوجوب إدماج السكان المحليين واحتياجاتهم في استراتيجياتها وامتلاكها نهجاً مستداماً لاستغلال الموارد، للحيلولة دون إفقار منطقة ليست ملكها. يمكن لتطبيق الديمقراطية المحلية والتخطيط التشاركي أن يساعدا السكان على الاستثمار في هذا النشاط التجاري، وبالتالي تخفيف التوترات الناتجة من الشعور بالظلم. يُعتبر التقاسم العادل للموارد الطبيعية عنصراً أساسياً في حل الصراعات ومنعها. وبالتالي، يمكن أن يساعد توفير فرص للحوار وأساليب للتفاوض في القضاء على الفقر، فضلاً عن الإستخدام المسؤول والأمثل للموارد.

بالإضافة إلى ذلك، يعتبر مؤلفون مثل هادي جعفر (هادي جعفر وآخرون، 2020) أن التخفيف من الضغوط البيئية يكمن في حسن إدارة الموارد، والحد من الاستخدام المفرط للموارد الطبيعية من خلال التقنيات السليمة بيئياً، وأخيراً وليس آخراً، الإنخفاض في عدد السكان. وفي انتظار العودة الآمنة لجميع اللاجئين، يجب بذل الجهود لوضع إطار لاستخدام الموارد الطبيعية. في حالة المياه، يقترح جعفر سنّ تشريع واضح لتنفيذ خطط للقياس والتسعير في شأن استهلاك المياه المنزلية.

 

أخيراً، حل الصراعات ليس كافياً. وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، يُرجح استئناف النزاعات المتعلقة بالموارد الطبيعية بمقدار الضعف خلال السنوات الخمس الأولى من السلام. من هذا المنطلق، يلزم وضع سياسة متعددة النطاقات لحماية البيئة من خلال الحؤول دون استنفاد الموارد الطبيعية وزيادة الوعي، ليس فقط لدى المجتمعات المحلية، بل أيضاً في المجتمع الدولي - القادة والسكان والشركات - من أجل الحد من الصراعات التي ستنشأ حتماً في العقود القادمة.

 

 

A+
A-
share
أنظر أيضا
17 حزيران 2024 بقلم جنى بيضون، طالبة في الجامعة الامريكية في بيروت
17 حزيران 2024
بقلم جنى بيضون، طالبة في الجامعة الامريكية في بيروت
17 حزيران 2024 بقلم ايليو مبيض، صحافي
17 حزيران 2024
بقلم ايليو مبيض، صحافي
02 حزيران 2024 بقلم عبير مرزوق، صحافية
02 حزيران 2024
بقلم عبير مرزوق، صحافية
أحدث فيديو
أماني الخطيب: رحلة ناشطة ووسيطة محلية - تقرير عبير مرزوق
SalamWaKalam
أماني الخطيب: رحلة ناشطة ووسيطة محلية - تقرير عبير مرزوق
SalamWaKalam

أماني الخطيب: رحلة ناشطة ووسيطة محلية - تقرير عبير مرزوق

تشرين الثاني 04, 2024 بقلم عبير مرزوق، صحافية
تحميل المزيد