يأتي هذا الطرح الذي تصدّر مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً، بعد أن عجزت مؤسسة "كهرباء لبنان" عن تأمين أكثر من 800 ميغاوات / طاقة، والسبب أنّ أموالها بالليرة اللبنانية ولا يمكنها تالياً أن تشتري الفيول إلا بالدولار الأميركي. فـ"كهرباء لبنان" مؤسسة عامة ولا يمكنها سوى أن تشتري الدولارات من مصرف لبنان على أساس سعر الصرف الرسمي، وذلك لتأمين قطع الصيانة والمواد الكيميائية والفيول. أمّا المولدات فساعات تغذيتها تراجعت، لأنها تأثرت سابقاً بشحّ المازوت، فيما يتخوّف أصحابها الآن من أن يعجز الزبائن عن تسديد بدلات الإشتراك. أمام هذه المشهدية، إرتفع الطلب على لوحات الطاقة الشمسيّة، واتجهت الأنظار إلى السلطات المحليّة التي سبق لها أن بدأت مشروع طاقة شمسيّة ضمن نطاقها، والأمر سيّان بالنسبة إلى القطاع الخاص.
ولدى تكلمنا عن تجارب مستقلة في مجال الطاقة البديلة، وجدنا أن عنصر التنظيم المركزي غائب، لذا سنكون أمام حال جديدة من إهدار الطاقة بأشكال متعددة. ولأنّ الفوضى سادت في قطاع الكهرباء منذ دخول المولدات إلى الميدان مع مصالح مستوردي الفيول والمازوت، ستكون تجربة الطاقة الشمسيّة فوضوية أيضاً، لكنها أنتجت نماذج يمكن التعلّم منها كي تضع الحكومة خطة كهرباء على ضوء تجاربها.
البلديات في لبنان تتمتع بصلاحيات واسعة، وقد أنيط بها أحد أهم الأدوار وهو التنمية المحلية. وإذا كانت الدولة تحتكر قطاع الكهرباء مع إمكان إعطاء بعض الإستثناءات مثل "كهرباء زحلة"، فإنّ الحاجة إلى بديل عن "كهرباء لبنان" خلال ساعات التقنين أنتج المولدات، والطاقة الشمسيّة على شاكلة المولدات، مما يشير إلى أن هذا القطاع غير منظم حتى الساعة، وهو وليد الحاجة.
ضمن هذا الإطار، باتت تجربة بلدية كفرمشكي في قضاء راشيا "مضرب مثل" لدى اللبنانيين. فهذه البلدة البقاعية يحصل فيها حوالى 100 منزل على 5 أمبيرات، وتوزّع الكهرباء نحو 5 ساعات، وفق ما قال أحد أعضاء بلديتها طوني أيوب "بدأ التحضير لمشروع الطاقة الشمسيّة منذ نحو 4 سنوات، وانطلق فعلياً في تشرين الأوّل من العام 2019. كلّف المشروع 200 ألف دولار أميركي، وساهمت جمعيات عدّة في تمويله، منها "USAID"وكاريتاس". وأشار إلى أنّ "الطاقة الشمسية تشكّل 30 في المئة من الكهرباء التي تستخدمها المنازل". في حين يتبيّن أنّ بعض البلديات اللبنانية تعتمد على نفسها، وعلى إمكان حصولها على مساعدات من جهات مانحة، كي تؤمّن الخدمات الأساسية للأهالي. وإذا كانت جذور هذا المشروع تعود إلى ما قبل الإنهيار الإقتصادي في لبنان، فإنّ "هجمة" البلديات والمؤسسات الخاصة على حلول بديلة ستعمّق الحاجة إلى حلول لا مركزية بالنسبة إلى أزمة الكهرباء، في حال لم يحصل تغيير واسع وشامل في طريقة إدارة مرفق الكهرباء.
لكن، رغم نجاح بلدية كفرمشكي في تأمين الطاقة الكهربائية للسكان رغم أزمة شحّ المازوت، ولاحقاً ارتفاع سعره بعد رفع الدعم، أوضح أيوب أنّ "ثمة مشكلة تعاكس نجاح التجربة بشكل أكبر، تتمثل في أنّ الطاقة التي تنتج في ساعات النهار لا يمكن الإستفادة منها خلال الليل لأنّ المشروع لم يزوّد بالبطاريات"، شارحاً أنّ "كلفة البطاريات اللازمة مرتفعة، أي أننا سنكون في حاجة إلى مشروع تمويلي جديد كلفته قريبة من المشروع الأساسي". لذلك تعمل البلدية على تشغيل مولد لمدّة 4 أو 5 ساعات يومياً يقوم بتوزيع الطاقة إلى البيوت، فالحاجة إلى المازوت لم تنتفِ إذاً، "إلّا أنّ فاتورة الكهرباء في المنازل انخفضت، فيما بلغت كلفة المولّد نحو 12 دولاراً لكل 5 أمبيرات، علماً أن الطاقة الشمسية لا كلفة لها"، كما أوضح أيوب.
بلدية بجه (قضاء جبيل) التي شيّدت مبناها البلدي بطريقة صديقة للبيئة وتزوّده بالكهرباء من الطاقة الشمسيّة، قال رئيسها رستم صعيبي: "نعمل على تأمين أرض لنضع فيها لوحات الطاقة الشمسيّة، وفي خلال شهر سنبدأ بتزويد كل البلدة بكهرباء من الطاقة النظيفة".
وأشار إلى أنّ "كلفة المشروع لقرية او بلدة فيها نحو 300 منزل، سيكون 650 أو 700 ألف دولار تقريباً، مع تكاليف بطاريات الطاقة الشمسية، وهو سعر مقبول لأنّ الشبكة موجودة في بجه مع العدّادات". وأوضح أننا "نودّ شراء لوحات الطاقة الشمسيّة ونقوم بدراسة شاملة للموضوع، ونتعاون مع الجهات المانحة ومنها UNDP، لتمويل هذه المبادرة الفردية التي قمنا بها كسلطة محلية من دون أيّ دعم.
أضاف صعيبي: "عندما تتوجه الدولة نحو اللامركزية الإدارية وتموّل البلديات، ستتمكن هذه الأخيرة من تنمية نطاقها بشكل مسؤول وبنّاء".
لا تتوقف تجارب البلديات عند هذا الحدّ، ومن التجارب أيضاً مشروع تسخين المياه على أشعة الشمس في بلدية الشوير. لكن البلدية أوضحت أنّها "تقدمت بمشروع للطاقة الشمسيّة وتنتظر أن تحصل الموافقة عليه لكي تضع على سطح المبنى البلدي لوحات شمسيّة قدرتها 60 أمبيراً، أي أنها ستكون شبكة كبيرة".
وأشارت البلدية إلى أنّ "مشروع تسخين المياه على الطاقة الشمسيّة (في نطاقها) بدأ مع الوزير الياس بو صعب عندما كان رئيساً لبلدية الشوير، وأطلق المشروع بالتعاون مع أحد المصارف اللبنانية الذي قدّم تسهيلات في التمويل، وذلك في سبيل تشجيع الأفراد على الإشتراك في هذا المشروع الذي اشترك فيه حتى اليوم نحو 100 منزل".
على صعيد المشروع الجديد للطاقة الشمسيّة في الشوير، لفتت البلدية إلى أنّ "هدفه تغذية المبنى البلدي والساحات القريبة منه بالكهرباء في سبيل أن تكون هناك إنارة للشوارع ليلاً"، موضحة أنّه "في حال حصل حينها انقطاع للكهرباء في البلدة ستؤمن البلدية طاقة للمؤسسات المهددة من جرّاء انقطاع الكهرباء، ويصبح في إمكان البلدية تزويدها بالطاقة".
هذه المبادرات أتت لتلبية حاجة المواطن إلى الكهرباء وسط ظلام الأزمة الاقتصادية في لبنان، لكنها تبقى فردية ولا تدخل ضمن إطار خطة شاملة للكهرباء تُخرج البلد من دوّامة التقنين وخطر انقطاع الخدمات والحاجات الأساسية، مثل الإنترنت والمياه وغيرهما. لكن، لا بأس بمبادرات مماثلة تساعد السكان، لا سيما أنها لا تسبّب انبعاثات سامة على شكل تلك التي تخرج من المولدات الخاصة. لكن "تغييب" خطة شاملة ومركزية للكهرباء أساسها الطاقة البديلة، يؤدي إلى إهدار كمية طاقة كبيرة وتضييع الحلّ.
في المقابل، لم تنتفِ حاجة كل البلديات إلى المولّدات الكهربائية بسبب عدم شراء البطاريات اللازمة لتخزين الطاقة. إلّا أنّ هذه التجربة حتّمت أن توزّع البلدية كهرباء المولدات والطاقة الشمسيّة بنفسها على المنازل، وقد أدّى ذلك إلى نوع من الإستقرار في القرى والبلدات.
الخلاصة التي توصّلنا إليها بعد استجواب رؤساء البلديات، أنّه فضلاً عن أنّ الفاتورة انخفضت كثيراً بعد التوجه إلى الطاقة الشمسيّة، فإنّ السكان تخلصوا من مشكلة الإنقطاعات المتكرّرة للكهرباء، وتمكنوا من العمل عن بعد والتعلم من المنزل من دون أي مشاكل.
مبادرات البلدات عديدة ولا يمكن حصرها في هذا التقرير، والأمر سيّان بالنسبة إلى مبادرات القطاع الخاص. فبعد الوصول إلى الخط الأحمر بالنسبة إلى أزمة المازوت التي كانت كل القطاعات مهددة بسببها، ومنها مزارع الدجاج، وجد الحل في مزرعة دجاج في منطقة المتين، يملكها والد المهندس الزراعي رولان سركيس. ففي هذه المزرعة 80 ألف طير دجاج و160 لوحة طاقة شمسيّة. وقد أكد سركيس أنّ "كلفة المشروع نحو 80 ألف دولار أميركي، لكنّه لا يشمل البطاريات، الأمر الذي يدفعنا إلى الإستعانة بمولّد".
الوفر الذي حققته المزرعة، على صعيد المازوت فحسب، هو 900 دولار شهرياً مقارنة بمزرعتهم الأخرى التي لا تحتوي على مشروع للطاقة الشمسيّة.
أمّا بالنسبة إلى "Arcenciel" في دير تعنايل، فقد أشار أحد المدراء فيها، إيليا غرّة، إلى أنّ "مشاريع توليد الطاقة الشمسيّة في دير تعنايل بدأت في العام 2014 علماً أن المشروع الأخير أنجز عام 2018، وقد بلغت كلفتها الإجمالية نحو 170 ألف دولار أميركي"، لافتاً إلى أنّ "المشروع يحتوي على 600 لوحة، لكن من دون بطاريات، الأمر الذي يدفعنا إلى الإستعانة بالمولّدات".
وتابع غرّة "المشروع أنتج السنة الماضية 203 ميغاوات"، لافتاً إلى أنّ تمويله جاء من جهات عدّة منها UNDP والأمم المتحدة، وذلك بواسطة قروض".
لقد تبين من معظم هذه التجارب عدم توافر البطاريات اللازمة لحفظ الطاقة الشمسيّة المنتجة للتمكن من استخدامها في الأوقات التي تغيب عنها أشعة الشمس، وهذا الأمر يؤدي حتماً إلى ضرورة الاستعانة بمولّد كهربائي خاص للإستفادة من الطاقة الشمسيّة.