شائكة طريق الحملات الأهليّة. فهي، عكس ما يمكن الظنّ، في صلب السياسة، في صلب شوائب النظام اللبناني ذاتها التي أدّت إلى نشوب الحرب الأهليّة. فهدف هذه الحملات، على تنّوعها وتنّوع قضاياها، هو، بداية ونهاية، تحقيق المساواة بين مواطني الدولة. لكن، عندما يستمرّ التمّييز، تفقد البلاد – الدولة، مستقبلها.
لا يمكن لبلاد قامت على أساس تقاسم السلطات والصلاحيّات والخيرات والمناصب، ولا يسري على أبنائها قانون أحوال شخصية موحّد، أن تتحوّل دولة تحضن مواطنين. ستبقى أرضاً تتلاقى فوقها مجموعات من البشر، لكلّ منها آمالها وهمومها.
في غياب دور الدولة عن تأدية مهمتها الرئيسيّة كالحكم العادل، سيستمرّ انتزاع الأطفال من أحضان أمهاتهم لتنوّع قوانين الحضانة، أو لأنه لا يمكن للأم أن تمنحهم جنسيتها- هويتها. سيستمرّ العنف الأسري منتشراً بلا رادع.
في غياب الدولة، سيستمر ارتفاع الكلفة الصحيّة من جرّاء حوادث السير، وتلّوث البيئة، وعدم تأمين الغذاء والمياه، وغياب الضمان الإجتماعي المنصف، والبنى التحتيّة المناسبة.
في غياب دورها، ستستمّر القوانين المعمول بها منذ العام 1925، تحدّد مستقبل اللبنانيين الذين لا يعرف أحد عددهم بعد.
في غياب التشريعات المدروسة والقائمة على أساس مصلحة المواطنين، سيستمر العَوَز، والمرض، والجهل، والهفوات الطبيّة، والأخطاء الهندسيّة، والمساجين غير المحكومين، وغياب التدفئة والكهرباء، وتفشّي المخدرات، وأطفال الشوارع، والاستهتار بأصحاب الحاجات الخاصة، وباللاجئين الفلسطينيين، وتجاهل اللاجئين الآخرين وإساءة معاملتهم تماماً كما تُساء معاملة العمّال الأجانب.
بدأ المجتمع المدني حراكه، بخجل في البداية، ثم أخذ ينتظم ويتفعّل. وهو اليوم في مرحلة التحوّل إلى قوّة ضغط فاعلة على المشرّعين والساسّة في لبنان، وقد وصل إلى نقطة اللاعودة: ها هو رئيس الوزراء يعلن تأييده لمنح الأم جنسيتها الى أولأدها، وها هو رئيس الجمهوريّة يغرّد مؤيداً الزواج المدني.
رغم المقاومة الشرسة التي يلقاها من السلطات السياسيّة والدينيّة والتشريعيّة، بدأ المجتمع المدني حراكه. واليوم، يبدو أن مثابرته وصبره، وما سيلقاه من دعم شعبي وسياسي، هو الذي سوف يقرّر مستقبل لبنان.