طرابلس مدينتنا: نعمل ونرفع صوتنا من أجلها

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 آذار 15 7 دقائق للقراءة
طرابلس مدينتنا: نعمل ونرفع صوتنا من أجلها
من «تقرير دراسة الفقر الحضري»
فيما أهمُّ بكتابة هذا المقال، شعرت بحيرة مزدوجة. فأنا لست متأكداً مما إذا كنت أريد أن أكتب لأهل مدينتي طرابلس، أم أكتب لعموم المواطنين اللبنانيين؟ أم أتوجه بشكل خاص إلى شباب المدينة، أو شباب الأحياء الفقيرة والمهمّشة تحديداً الذين ما اعتدنا أن نتحاور معهم بشكل مباشر ومستمر؟ واستطراداً، لم أكن متأكداً مما إذا كنت سأكتب من منظور الباحث أو الخبير المعني بمحاولة بلورة خطة تنمية لطرابلس؟ أم أكتب بصفتي مواطناً طرابلسياً، فأترك لكل انفعالي وانحيازي ان يتدفق من دون تقييد؟
إلاّ أن الضرورة تقضي أن أعطي الأولوية الآن لأشرح ما الذي نحاول فعله أكثر مما نشعر به. لذلك سأعرض للفكرة العامة التي تقوم بها وزارة الشؤون الاجتماعية بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا – «الإسكوا»، لبلورة مشروع تنموي شامل للمدينة.
لقد سبق أن عرضنا يوم السبت في 10 كانون الثاني 2015 نتائج دراسة الفقر الحضري لطرابلس، كما عرضنا بعض الأفكار لتصورنا لمشروع تنميتها. وفي ما يلي أهم محاوره لتكون موضوع اطلاع ونقاش عام، سوف نسعى الى تنظيمه تباعاً.
التهميش المزمن
يسود اقتناع عام لدى أهل طرابلس، واستطراداً محافظتَي الشمال وعكار، بأنهم كانوا ضحايا إهمال مزمن يمتد عقوداً. يستند هذا الشعور العام إلى وقائع متينة أكدتها الدراسات، والمعطيات المتوفرة مركزياً ومحلياً. إذ ثمّة إجماع أن هناك فجوة تنموية في مختلف المستويات بين المتوسطات الوطنية وبين مستوى المؤشرات في المناطق الطرفية عموماً، ومناطق عكار والضنية وطرابلس بشكل خاص، على الرغم من أن طرابلس هي العاصمة الثانية في لبنان.
يمكن تلخيص الوضع على النحو التالي:
- إن نسبة الأسر الفقيرة في طرابلس، بحسب المقاييس الوطنية، بلغت في نهاية عام 2011، نحو 51% بحسب خط فقر الدخل الوطني (آخر نسبة محسوبة وطنياً عام 2005 هي 28%)، و40% بحسب دليل أحوال المعيشة (آخر نسبة محسوبة وطنياً عام 2005 هي 30%)، في حين أن نسبة الأسر المؤهّلة للإفادة من برنامج مساعدة الأسر الفقيرة في لبنان تبلغ 23%، مقارنة بنسبة 8% وطنياً، وهي النسبة التي بُني المشروع على أساسها.
- نسبة الحرمان بحسب دليل الحرمان الحضري (النموذج الذي صُمّم حديثاً وطبّق على طرابلس في نهاية عام 2011) تبلغ 57% من الأسر، وتصل إلى 87% من الأسر في باب التبانة – السويقة، في حين تبلغ نسبة الأسر المحرومة اقتصادياً – بحسب الدليل نفسه – 77% من الأسر، وتبلغ 95% في باب التبانة-السويقة.
لم تتجاوز حصة محافظتي الشمال وعكار 4% من إجمالي التسليفات المصرفية (وكذلك المحافظات الطرفية الأخرى)، وهي نسبة مستقرة عند هذه المستوى لعقود، وتظهر عزوف القطاع الخاص عن الاستثمار في هذه المناطق.
- نسبة الأسر المشمولة بالتأمين الصحي في طرابلس لا تتجاوز 24% ، في حين أنها قريبة من 50% على المستوى الوطني. أضف إلى ذلك ان محافظتي الشمال وعكار تسجلان أعلى نسبة خصوبة ووفيات أطفال وأمهات في لبنان.
- ثلثا التلاميذ في طرابلس ملتحقون بالمدارس الحكومية (الثلث فقط ملتحق بها على المستوى الوطني)، وتسجّل في المدينة أعلى نسب التسرّب المدرسي إذ إن 16% من المراهقين في عمر 13 سنة خارج المدرسة، وترتفع هذه النسبة إلى ما يقارب النصف في الأعمار المقابلة للمرحلة الثانوية. وبحسب مؤشرات كثيرة، فإن هذه النسبة قد ارتفعت منذ عام 2011.
مدينة فقيرة مع جيوب رفاه
بالإضافة إلى المواجهات الأمنية المتكررة منذ عام 1980، والتي توقفت منذ تطبيق الخطة الأمنية مؤخراً، تجد مدينة طرابلس نفسها وقد اجتاحها الفقر والحرمان إلى درجة أنه وجب اعتبارها مدينة فقيرة بصورة عامة، مع بعض جيوب الرفاه، وهو ما كان من المفترض أن يكون العكس تماماً (أي مدينة ذات مستوى مقبول من الرفاه مع بعض جيوب الفقر).
كما تجدر الإشارة، إلى أن مجمل هذه الأوضاع الصعبة والمعقّدة، كانت موضع تناول من قبل الإعلام، الذي ساهم عن قصد وعن غير قصد، في معاقبة المدينة من خلال بناء صورة نمطية عن طرابلس، بصفتها مدينة «خارج» لبنان، وخارجة على القانون، الأمر الذي ساهم في تعطيل دورتها الاقتصادية بصفتها عاصمة لمحافظتي الشمال وعكار، وعطّل دورها الاقتصادي الوطني، وساهم في إحباط المحاولات الخجولة لاستعادة الثقة التي هدفت إلى تشجيع المستثمرين على الاستثمار فيها راهناً ومستقبلاً.
تنمية طرابلس فرصة للبنان
إن استمرار تهميش طرابلس وإفقارها يمكن أن يشكّل تهديداً مباشراً للأمن والاستقرار في لبنان كله. كما أن إطلاق مسار تنمية شاملة في المدينة (واستطراداً في الشمال وعكار) من شأنه أن يشكل فرصة سياسية واقتصادية للبنان تتيح إمكانية حقيقية لنمو اقتصادي مستدام في المدَيَين المباشر والمتوسط – البعيد الأمد، تساهم في إخراج الاقتصاد اللبناني من ركوده، خصوصاً ما يعود منه لأسباب بنيوية، لاسيما:
1 - التشبع المكاني (أو الجغرافي) للنشاط الاقتصادي في بيروت وجبل لبنان، ونسبياً في مناطق لبنان الأخرى، في حين أن فرص الاستثمار الجغرافي، ومكوّنَي الانتاج الرئيسيين، أي كلفة الاستثمار العقاري والقوى العاملة، متوفرة في طرابلس والشمال وعكار، وبكلفة منخفضة مقارنة بالمناطق الأخرى (ميزات تفاضلية).
2 - التشبع القطاعي (خصوصاً الاستثمار العقاري والمالي والسياحي)، حيث يفتح النهوض المتكامل والمستدام للاقتصاد في طرابلس والشمال وعكار، فرصاً لاستثمار في قطاعات جديدة، بما في ذلك ما يمكن أن يكون له أدوار ريادية وقيادية في تلبية حاجات السوق اللبنانية، والسوق الإقليمية.
الحاجة إلى خطة تنمية شاملة
في طرابلس لا يتعلق الأمر بالجزئيّات. فنحن إزاء ديناميّة تدهور وتآكل لكل الرصيد التنموي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والعمراني للمدينة؛ والرد يكون بحشد الموارد المؤسسيّة، والبشرية، والمالية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، من أجل إطلاق دينامية إيجابية بديلة، تنقل المدينة من مسار التهميش والتدهور إلى مسار التنمية والتقدم، ويموضعها في قلب الديناميّات الوطنيّة والإقليميّة التنمويّة.
لذلك، فإن المحاولة التي نقوم بها حالياً، لا تتعلق بتوفير بعض الخدمات أو القيام بتدخلات جزئية أو قطاعية، كما أنها لا تقتصر على معالجة المشكلات: إنها تذهب أبعد من ذلك، وتهدف إلى تحفيز عملية تشاركية لصوغ رؤية مستقبلية لمدينة طرابلس ودورها، وإلى إطلاق مسار تنموي صاعد بدل مسار التهميش الهابط. إنها مسألة استبدال مسار بمسار آخر، لا توسيع النمط التوزيعي السائد حالياً.
لقد أُنفق الكثير وفق النمط التوزيعي، ومع ذلك فإن أثر هذه التدخلات بقي موضعياً ومحدوداً، ولم يساعد على خفض معدلات الفقر والحرمان. وقد بينت مقارنة انتشار الفقر حالياً مع خريطة انتشاره في دراسة سابقة عام 2001 (هرمنديان)، أن كل مناطق الفقر حينها لا تزال فقيرة حالياً، وأضيفت إليها مناطق جديدة. هذه يعني ببساطة، أن نمط التدخل السابق (والحالي) لم ينجح في وقف مسار الإفقار والتهميش، وأنه لا بد من مسار مختلف.
إن المقاربة البديلة مبنية على فكرة الترابط والتآزر بشكل عضوي بين السياسات والتدخلات الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى التكامل مع الأبعاد الأخرى أيضاً. كما أن المطلوب هو تصميم تدخلات إجتماعية عريضة القاعدة، تطاول فئات وأعداد ومناطق واسعة بدرجة كافية لكي تحدث أثراً فعلياً على مستوى المدينة كلها. كما أنها تتجاوز نسق التوزيع إلى التمكين، وإلى إطلاق ديناميّات اجتماعية تساهم في التماسك الإجتماعي المنفتح على المجال الأوسع، كما تساهم في تحفيز الحراك الإجتماعي الصاعد.
ثلاثة مسارات
إنسجاماً مع المقاربة الشاملة، وانطلاقاً من ترابط المسارات وتلازمها الضروري، تتحدد الأهداف الرئيسية الكبرى لاستراتيجيّة التنمية المدينيّة المطلوب بلورتها، على النحو التالي:
1 - في المسار السياسي – المؤسسي: ضمان الأمن والاستقرار بصفتهما شرطين مسبقين ضروريين لأي خطة تنمية في المدينة.
2 - في المسار الإقتصادي، والإقتصادي – الإجتماعي: إطلاق ديناميّة إقتصادية مدينيّة مندمجة ومتكاملة مع الإقتصاد الوطني، محورها إيجاد فرص عمل (خصوصاً للشباب)، على أن تكون ذات مضمون إجتماعي قوي وتساهم في مكافحة الفقر والتفاوت، ومتلازمة مع برامج تدخل إجتماعي شاملة وقطاعية، متآزرة معها، نحو المزيد من العدالة والمساواة بين الجنسين، ومدعومة بمشاركة الشباب.
3 - في المسار الثقافي، والإجتماعي – الثقافي: العمل على تغيير صورة المدينة تجاه الخارج، وكذلك العمل على تطوير قيم وسلوكيات المواطنين في إطار صياغة صورة جذابة للمدينة تجاه سكانها أولاً تشعرهم بالإنتماء إليها من دون تمييز، كما تجاه سائر المواطنين اللبنانيين، إلى جانب الاهتمام برفع المستوى العلمي ومستوى المهارات لعموم السكان وللفئة الشبابية بصفة خاصة.
ماذا بعد؟
ما من شك في أن هذا العرض مجتزأ وغير كاف. إلاّ أننا نطرحه بهدف إطلاع سكان المدينة على وجهة تفكيرنا، وسوف ننظم في الأسابيع المقبلة إجتماعات واسعة لمناقشة هذه الأفكار، وأفكار المواطنين الذين من الواجب احترام آرائهم في صوغ حاضر ومستقبل مدينتنا جميعاً.
إنها نقطة بداية، وإلى لقاء قريب.
 
A+
A-
share
آذار 2015
أنظر أيضا
01 آذار 2015
01 آذار 2015
أحدث فيديو
كلما أعطيت الأرض أكثر، كلما أعطتك المزيد
SalamWaKalam
كلما أعطيت الأرض أكثر، كلما أعطتك المزيد
SalamWaKalam

كلما أعطيت الأرض أكثر، كلما أعطتك المزيد

تشرين الأول 06, 2023 بقلم يارا ضرغام، -
تحميل المزيد