لماذا امتنع ناخبو المرة الأولى عن الإقتراع في الإنتخابات النيابية؟

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 02 آب 18 4 دقائق للقراءة
لماذا امتنع ناخبو المرة الأولى عن الإقتراع في الإنتخابات النيابية؟
في 6 أيار 2018، وجد الكثير من المحللين والمعلقين الذين يتابعون الانتخابات النيابية الأولى في لبنان منذ العام 2009، أنفسهم في حيرة إزاء عدم رغبة الشباب اللبناني الذي ينتخب للمرة الأولى بالحضور إلى صناديق الإقتراع وبالتصويت.
 وبدأت بعض الحملات على الفور في البحث عن الذات لمعرفة السبب، فيما بقي البعض الآخر في حالة إنكار واعتبر الأمر مجرد إهمال من قبل الشباب وانهماك بمسائل يجدونها أكثر إثارةً ليوم عطلة الأحد، مثال الذهاب إلى الشاطئ أو التخييم في مكان ما، أو حتى معالجة الإفراط في تناول الكحول الناتج من الليلة السابقة، على الرغم من حظر التجول الذي فرضته الدولة بإقفال معظم النوادي الليلة والمقاهي عشية الإنتخابات.

بعد مرور أسابيع على اليوم المشؤوم الذي جدّد فيه البرلمان ذاته تقريبًا، أصبحت الأسباب وراء بقاء الكثير من الناخبين اللبنانيين الشباب بعيداً عن صناديق الإقتراع أكثر وضوحاً.
السبب الأول، وعلى الأرجح الأقوى، هو الغياب الكبير للثقة في المؤسسات اللبنانية. فالفساد المستشري وثقافة المحسوبية البعيدة عن الحرج، والغياب الكامل للمساءلة، هي واقع نشأ عليه الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 21 و30 سنة. ويجعل هذا الأمر «جيل ما بعد الحرب» مشكّكًا بأي مبادرة تتخذها الحكومة اللبنانية، بخاصة عملية انتخابية قد تهدّد الوضع الراهن. ويُترجم غياب الثقة هذا تلقائياً بغياب الحماسة للمشاركة في العملية السياسية في لبنان. وفكرة «لا شيء سيتغير» قد حفِرَت في عقول الشباب بالقوة لعقود، ونجحت في إبقائهم بعيداً عن الإدلاء بأصواتهم في الأحد الأول من أيار 2018 والمشاركة في الحياة السياسية.
السبب الثاني، هو غياب مشهد إعلامي حيادي نسبياً. ففي بلاد تبدأ فيها نشرة الأخبار المسائية بـِ«مقدّمة» إخبارية لمدة دقيقتين تزوّد المشاهدين بكيفية الشعور حيال أحداث النهار، غالباً ما يصعب فهم ما يحدث حقيقةً. ويقترن المشهد الإعلامي التقليدي المتحيز بسلسلةٍ من «الإتجاهات» عبر الإنترنت تكون منظمة ومنسقة بشكل دقيق من قبل مجموعات متماسكة تصوِّت على المواقف التي يجب دعمها، وتنسّق ساعات النشر والمشاركات وإعادة التغريدات عبر تويتر بغية جعل بعض المواضيع أو المسائل في موقع اتجاه اليوم، حتى عندما يكون الواقع على الأرض وبعيداً عن الإنترنت مختلفاً جداً. ويجعل هذا الأمر تصحيح المعلومات المضللة للقارئ أو المستمع أو المشاهد العادي عملية صعبة وتستغرق وقتاً طويلاً. وأما الإجماع على أن قنوات التلفزة والمحطات الإذاعية هي أبواق لمجموعات مختلفة فيجعل من عملية الاطلاع على ما يجري مهمةً مرهِقة لا يزعج نفسه بها الكثير من جيل ما بعد الحرب. وينعكس هذا الواقع حتى في عائدات الإعلانات المتراجعة لمؤسسات الإخبارية التقليدية، إذ أن المعلنين يريدون دفع المبلغ الأكبر للجمهور الأكثر استهدافاً والذي لم يعد يشاهد الأخبار أو يثق بها (البالغ 21-35 سنة من العمر)...
أما السبب الثالث، وعلى الأرجح السبب الأكثر مباشرةً، فهو التعقيد في القانون الإنتخابي والتلاعب بحدود الدوائر الانتخابية الذي يثير حماسة الشباب ذوي الإنتماء السياسي، إنما يحبط آمال الشبان والشابات الذين لا ينتمون إلى أي حزب سياسي. وقد شهدت انتخابات العام 2018 قانوناً جديداً مع بند نسبي مُعلن إنما لا معنى له فعلياً حيث تقرر «الأصوات التفضيلية» الغالِبة الرابحين. وفضلاً عن حملة لوحات إعلانية خنوعة من قبل وزارة الداخلية وبعض المبادرات المستقلة لتثقيف الناخبين المحتملين وإعلامهم حول القانون الجديد، لم يتمّ القيام بما يلزم لتفسير كيفية عمل القانون وما تغيّر منذ تعلُّم معظم الناخبين للمرة الأولى عن الإنتخابات في صفوف التربية المدنية في المدرسة.
لقد أعطت الدوائر الإنتخابية التي تمّ التلاعب بحدودها ميزةً غير عادلة للأحزاب السياسية في مناطق نفوذها المتصوّرة، ممّا ساهم بإضعاف إرادة الشبان والشابات وحماستهم على الخروج والتصويت، علماً أن حصص الرابحين في المقاعد قد تمّ تحديدها مسبقاً. أضف إلى ذلك أن الناخبين لا يمكنهم التصويت سوى في مسقط رأسهم في حين أن جزءاً كبيراً من الشباب في لبنان قد ابتعد عن المناطق الريفية في البلاد، وبالتالي تتقلّص الرغبة لديه في انتخاب ممثلين عن دائرة لا يعيش فيها ولم ينشأ فيها ولا يرى نفسه عائداً إليها.
كل ما ورد أعلاه، إضافةً إلى الكثير من العوامل الأخرى الأكثر دقة، قد أبعدت الناخبين الشباب عن صناديق الإقتراع. ويظهر هذا الأمر حاجةً ملحة إلى الإصلاح في القانون الإنتخابي، لجعله أكثر شمولية وأكثر تمثيلاً. ويشكل انعدام الثقة الكبير معركةً شاقة يجب معالجتها، في حال أراد الشبان والشابات في لبنان البدء بالمشاركة بشكل أقوى في العملية السياسية التي تؤثر على حياتهم اليومية وسبل عيشهم المستقبلية. وفي حال أراد لبنان تحقيق إقبال أفضل للناخبين الشباب في العام 2022، يجب إجراء إصلاحات حيوية بغية المساعدة على إبقاء السلام وبنائه في المجتمعات اللبنانية. بناء السلام من خلال ضمان تمثيل أفضل لشرائح مثال الشباب والمرأة والأشخاص غير المنتمين سياسياً في قاعات البرلمان، القاعات التي سينبثق منها الإصلاح التشريعي الذي يُعتبر لبنان بحاجة ماسة إليه.
A+
A-
share
أنظر أيضا
07 أيار 2020 بقلم نور المللي، منسق إعلامي لمختبر"شّدة" الإعلامي
07 أيار 2020
بقلم نور المللي، منسق إعلامي لمختبر"شّدة" الإعلامي
07 أيار 2020 بقلم ناتالي روزا بوخر، كاتبة وباحثة
07 أيار 2020
بقلم ناتالي روزا بوخر، كاتبة وباحثة
24 آذار 2021 بقلم ايمان العبد، صحافية
24 آذار 2021
بقلم ايمان العبد، صحافية
أحدث فيديو
قاتَلت في الحرب وبَنَت للسلام - تقرير رهف أبو حسّان
SalamWaKalam
قاتَلت في الحرب وبَنَت للسلام - تقرير رهف أبو حسّان
SalamWaKalam

قاتَلت في الحرب وبَنَت للسلام - تقرير رهف أبو حسّان

نيسان 08, 2024 بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
08 نيسان 2024 بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
08 نيسان 2024
بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
07 نيسان 2024 بقلم ربى الزهوري، صحافية
07 نيسان 2024
بقلم ربى الزهوري، صحافية
06 نيسان 2024 بقلم أريج كوكاش، صحافي
06 نيسان 2024
بقلم أريج كوكاش، صحافي
تحميل المزيد