السوريون في الأشرفية حرّكوا إقتصاد المنطقة وأدخلوا الحيوية والتنوّع إليها

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 أيار 14 6 دقائق للقراءة
السوريون في الأشرفية حرّكوا إقتصاد المنطقة وأدخلوا الحيوية والتنوّع إليها
ساحة ساسين باتت ملتقى للسوريين القاطنين في الاشرفية (تصوير: طلال خوري)
قدمت «شمس» من سوريا الى لبنان منذ سنة وخمسة اشهر. اختارت منطقة الأشرفية لتسكن فيها لأنها قريبة من عملها في جمعية تُعنى بالفنّ السوري. تنقّلت بين أربعة بيوت، ثلاثة منها في «فسّوح» والرابع قرب مستشفى «أوتيل ديو». راوحت الإيجارات التي دفعتها بين 650 و 1000 دولار.
«أول ما وصلت الى بيروت، أوصاني أصدقائي القدامى هنا أن أقول لأصحاب الملك في حال سألني أحدهم عن ديانتي إنني مسيحيّة ليقبلوا تأجيري المنزل. لكن هذا الوضع تغيّر بعد فترة نظراً الى كثرة الطلب على البيوت، فتغّلبت المصالح المالية والتجارية على غيرها من الهواجس، وبدأ المالكون تأجير بيوتهم للسوريين بأسعار عالية جداً، باسثناء قلّة منهم ما زالوا يرفضون تأجير هؤلاء لمجرّد أنهم سوريون. يسمعون اللهجة على التلفون، فيعتذرون. تعرفين تاريخ العلاقة السورية اللبنانية، قال لي أحدهم».
أخبرت شمس أن أكثر من 30 شخصاً من أصدقائها استأجروا بيوتاً لهم في الأشرفية خلال العام الماضي، وأنهم يدفعون تقريباً كل ما يجنونه على منزل لا يتناسب وضعه مع سعره، وهم يعرفون أنه يتمّ استغلالهم لكن ليس لديهم خيار آخر.
قال مختار الأشرفية جرجي معماري إن 60 % من عقود الإيجار التي تُبرم في الأشرفية تسجل و40 % منها ليست مسجّلة، كي لا يدفع أصحاب الملك الرسوم البلدية.
الغالبية الساحقة من سكان البناية التي تعيش فيها شمس والمؤلفة من ثمانية طوابق، من السوريين. «هناك فنّانون وصحافيّون وباحثون وعاملون في جمعيات...». هم ليسوا «مشاريع إرهابيين وقنابل موقوتة» كما روّج البعض، أضافت شمس.
خالد، صحافي سوري، انتقل من منطقة الحمرا الى الأشرفية قبل سنة تقريباً. الجوّ في الحمرا كان مستفزّاً له، كما وصفه، بسبب وجود «القوميين السوريين» في الشارع الذي كان يقطنه. يسكن الآن في فسّوح، ويدفع 800 دولار ايجار غرفة وحمّام ومطبخ صغير. «حوالى عشرين من أصدقائي يعيشون في الحارة ذاتها».
أكثر السوريين الذين يسكنون في الأشرفية توزّعوا على أحيائها القديمة التي تشبه «الحارات»، على الجعيتاوي وفسّوح والرميل. «معدّل أعمار الساكنين فيها 60 عاماً. كل من هم تحت الستين من الساكنين اليوم هم سوريون»، قالت شمس ضاحكة.
ترك معظم الشباب الذين وُلدوا في الرميل مثلاً هذه المنطقة، تزوّجوا وسكنوا خارجها. معظم الذين بقوا فيها متقدمون في السنّ. هذا ما قاله لنا أيضاً رجل سبعيني، تردّد بداية في الحديث إلينا ظنّاً منه أننا من «شهود يهوه». كان يجلس في حديقته الصغيرة مع ابنته، التي غادرت المنطقة بدورها.
«نحبّ في هذه الأحياء طابعها الضيعوي وأدراجها، ومرورنا الى جانب بيوتها القديمة والدجاجات التي تعيش خارجها. ثمة نوع من الحميميّة فيها، هي ما يبحث عنها السوري ولا يجدها في أماكن أخرى في بيروت، وهي ليست مدعاة فخر لبعض اللبنانيين»، علّقت شمس.
عدا عن الإيجارات المرتفعة التي يدفعها السوريون في الأشرفية، «ازدهر» أيضاً Business «الكايبلز» و«الموتورات» و«الإنترنت». «مستحيل يقعدو السوريين بلا إنترنت»، أكملت شمس.
في ساحة ساسين، أصبحت قهوة «Starbucks» ملتقى للسوريين الساكنين في المنطقة في النهار فقط. في الليل، يتجوّلون في الجميّزة ومار مخايل ويلتقون في حاناتها. وفي كل مهرجان ثقافي يُنظّم في بيروت، وفي صالات سينما الأشرفية، يشارك جمعٌ من السوريين الهاربين من أخبار الموت في بلدهم.
وهذا كلّه أثّر إيجاباً في تحريك اقتصاد المنطقة.
«رغم تباطؤ النمو الاقتصادي منذ اندلاع الثورة السورية وتراجع أداء القطاعات التي قام الاقتصاد اللبناني تاريخياً عليها (خصوصاً تلك المتعلّقة بالسياحة)، لا بد من لحظ نواحٍ ايجابية أتت بفعل بعض التغيير في نمط الاستهلاك في السوق اللبنانية نتيجة نمو القاعدة الاستهلاكيّة. إذ لا يمكن غض النظر عن الحركة الإقتصادية الجديدة التي ولدت مع نمو الطلب الداخلي على السلع والخدمات بفعل توافد اللاجئين السوريين إلى لبنان، وإن كان يمكننا التمييز بين فئتين من المستهلكين الجدد: الأكثر يسراً والأقل يسراً، وبالتالي بين نوعين من الطلب الداخلي على السلع والخدمات.
تساهم الفئة الثانية في تحريك الإقتصاد المناطقي بطريقة محدودة نظراً الى ان الطلب يقتصر على الضروريات، بينما تُحدث الفئة الأولى حركة لافتة في اقتصاد المنطقة التي تقصدها، اذ أنها تتجه عموماً إلى الإيجار، واللافت على هذا الصعيد هو ارتفاع قيمة الايجارات في مناطق معينة بما لا يتماشى مع تباطؤ حركة بيع العقارات ككل. كذلك تُنعش هذه الفئة خدمات أخرى مرتبطة بالإيجار كإشتراك مولد الكهرباء و«الكايبل»، وتؤثر ايجاباً في حركة التجارة المحلية كالمنتجات الغذائية والمشروبات والملابس ومحال الحلاقة وقطاع المطاعم (خصوصاً المجاورة) والمواصلات والاتصالات. ما خسره اقتصاد لبنان من جرّاء انحسار الحركة السياحية، تمّ تعويضه جزئياً من خلال حركة اللجوء التي انعشت بعض القطاعات البديلة»، بحسب الخبيرة الاقتصادية لارا بتلوني.
إلّا أن العديد من سكان المنطقة وبعض سياسييها لا يرون هذه الإيجابيّات الاقتصادية في الوجود السوري، وفي الحيوية والتنوّع اللذين أدخلاه عليها. «كل يوم منسمع 100 تلطيشة بمشوارنا اليومي بالسرفيسات بالأشرفية، ومسبّات على السوري «إبن الكلب». عطيتو للشوفير 2000 ليرة، وقلتللو تفضل هودي المصاري من السوري إبن الكلب يللي طالع نازل معك وعم بيخلّيك تشتغل. ما عاد عرف شو يقول، صار يطّلع فيّي مصدوم أنو شكلي منّو سورية نسبة للصورة النمطيّة يللي عنده ياها عن السوريين.كنت لابسة «بروتيل»، أخبرت شمس.
العمّال
تعود شمس بعد انتهاء سهرتها من مار مخايل الى بيتها في الاشرفية مشياً. لم تصادف يوماً، لا هي ولا أصدقاؤها، عمّالاً يعتدون على أحد كما يُروّج له، بل أشخاصاً «بؤساء»، يمشون «رأسهم في الأرض»، تجنبّاً للمشاكل.
تعلو الأشرفية، كما غالبية المناطق في بيروت، رافعات العمار. هناك على الأقل 40 ورشة عمار في المنطقة، بحسب متعهّد باطون التقيناه في إحدى أكبر الورش في الأشرفية. «كل هذه المشاريع هي قديمة ولا تزال مستمرّة منذ عامين تقريباً. ليس هناك اي مشاريع جديدة».
تراوح نسبة العمال السوريين الذين يعملون في البناء من السابعة صباحاً حتى الرابعة أو الخامسة بعد الظهر وفي ظروف صعبة جداً، بين الأربعين والمئة والعشرين عاملاً في كل ورشة، وفق حجم المشروع. يومياتهم في حدود الخمسة عشر الى العشرين دولاراً. منهم من يأتي في «الفان» صباحاً من صبرا أو طرابلس أو حلبا، ويعود بعد الانتهاء من عمله، ومنهم من ينام في مكان عمله، أو يستأجر كل عشرة بينهم غرفة قريبة من الورشة في منطقة الأشرفية، يتشاركون في دفع إيجارها. بعد اندلاع الثورة في سوريا، اضطر العمال الذين لديهم عائلات في سوريا لجلبها الى لبنان. أخبر المسؤول عن ورشة في كرم الزيتون في الأشرفية، أن عائلته قدمت من سوريا قبل أكثر من سنة. استأجر غرفة مع صالون «على السطح» في أحد مباني حيّ السريان في الأشرفية. يدفع إيجاره 400 دولار. «ارتفعت الأسعار كتير. وعم فتّش عا بيت تاني، صاحب الملك بدّو يطلّعني من هون لأنو بدّو يأجرو بأغلى»، علّق محمد.
«يعترضون على كثرة الأشخاص في كل غرفة. ماذا يفعلون، أين ينامون؟ أو يريدونهم أن يناموا تحت التراب ليلاً، لينفضوا عن نفسهم الغبار صباحاً، يعملون، ومن ثم ينزلون مجدداً الى تحت الأرض عندما يأتي المساء؟»، قال خالد.
«لماذا لا ينظرون الى هذا العامل على أنه باني بيوتهم، ويرون في وجود السوريين في المنطقة مصدراً للتنوّع والحيوية وفرصة لبناء علاقة جديدة لبنانية سورية على أسس مختلفة عن تاريخها السابق ولكسر الصورة النمطية التي يشكّلها الطرفان عن بعضهما البعض؟»، تساءلت ريما، الشابة اللبنانية التي تعرّفت على أحياء في الأشرفية كانت تجهلها سابقاً، بفضل أصدقائها السوريين الكثر الذين سكنوا فيها. «النتائج ستكون أفضل بكثير بدل نشر الكره والتهويل والترهيب منهم ومن وجودهم. أدخلوا حميميّة وألفة الى هذه الحارات، ولم يحوّلوها «ثكنات» كما يروّج البعض. وأكثر ما أحبّه فيها هو رائحة المشاوي التي تعبق بها بيوت السوريين، والتي يبدو أنها تثير حفيظة بعض سكان المنطقة من اللبنانيين»، ختمت ريما تعليقها.


العمال السوريون يعملون في ظروف صعبة ومنهم من ينام في مكان عمله (تصوير: طلال خوري)


«لماذا لا ينظرون الى هذا العامل على أنه باني بيوتهم، ويرون في وجود السوريين في المنطقة مصدراً للتنوّع والحيوية وفرصة لبناء علاقة جديدة لبنانية سورية على أسس مختلفة عن تاريخها السابق ولكسر الصورة النمطية التي يشكّلها الطرفان عن بعضهما البعض؟»، تساءلت ريما
A+
A-
share
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
25 نيسان 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
25 نيسان 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
08 نيسان 2024 بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
08 نيسان 2024
بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
07 نيسان 2024 بقلم ربى الزهوري، صحافية
07 نيسان 2024
بقلم ربى الزهوري، صحافية
تحميل المزيد