هل يشكل غياب المساحات العامة في لبنان تحديًا تواجهه الحياة الاجتماعية؟

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 07 آب 23 بقلم ليال داغر، صحافية 5 دقائق للقراءة
هل يشكل غياب المساحات العامة في لبنان تحديًا تواجهه الحياة الاجتماعية؟

لا يزال وجود المساحات العامة نادرًا في البلاد على الرغم من أن المشاريع الخاصة زادت بحوالي  ثلاثة أضعاف بعد الانفجارات الدامية التي وقعت في مرفأ بيروت

 في هذا السياق، تُلقي ندرة  أماكن اللقاءات الاجتماعية الكثير من الأعباء على عاتق الحياة الاجتماعية وتؤثر على التفاعل الاجتماعي في البلاد سواء لأسباب مالية أو سياسية.

ستُعالج في هذه المقالة الاشكاليات التالية: ما هي الأسباب التي تعيق حاليًا إقامة المساحات العامة؟ ما هي المبادرات المعلّقة وتلك التي تكللت بالنجاح؟

نقص في المزأنية وغياب الإرادة السياسية

يعتبر التوسع الحضري السريع وغير الملائم أحد أهم الأسباب التي أدت إلى إنعدام أماكن اللقاءات الاجتماعية في البلاد.

فأعطيت الأولوية على مدى سنوات للنمو الاقتصادي على حساب الاحتياجات الاجتماعية. في هذا الصدد، جرى التضحية بإقامة المساحات العامة لصالح تشييد المشاريع السكانية التي تهدف إلى الربح مما ترك مساحات صغيرة لتُقام فيها الحدائق والمنتزهات والأماكن العامة. في السياق نفسه، تعاني الأماكن القليلة المتوفرة من إنعدام الصيانة وصعوبة الوصول إليها وغياب التجهيزات المناسبة.

ويواجه لبنان أيضًا قيود عقارية مهمة لا سيما في المدينة بسبب الكثافة السكانية الكبيرة، بالتالي بات شراء الاراضي لإقامة المساحات العامة الجديدة يشكل تحديًا أساسيًا.

واعتبر محمد شمعة الناشط في مجال التخطيط الحضري: " أن قلة التمويل وغياب ارادة السلطات أديا إلى إنعدام أماكن اللقاءات الاجتماعية. وأضاف أن إقامة تلك الأماكن لا تحظى بالكثير من الاهتمام ." لقد عبّرت المهندسة المعمرية هلا يونس قائلةً: " بالنسبة له، قد يؤدي هذا الأمر إلى عزل الناس عن بعضهم البعض بطريقة غير مباشرة بسبب حرمانهم من أن يتلاقوا مما يولد الخوف من الآخر" وتابعت "أن الأشخاص الذين يعيشون في مجتمعات منغلقة يخافون من أن يجلسوا على المقعد نفسه إلى جانب أشخاص أخرين. وقد تولد محدودية التفاعل بين الأفراد في ظل إنعدام المساحات العامة شعورًا بالعزلة والتفكك الاجتماعي."

في سياق متصل، تبدي السيدة يونس استياءها من أن المساحات العامة المتاحة هي موضع اهمال كسائر الممتلكات العامة وتابعت قائلة: "إلا أحد يقوم بصيأنة هذه المساحات أو ينظم استخدامها. ويعتبر كل من الجبل والمدينة مركز استقطاب رائع لأماكن من الممكن أن توضع تحت تصرف المجتمع. واضافت آسفةً كأن من الممكن أن نملك جاداتٍ للتنزه أو شوارع أو حتى كورنيشًا ولكن ضُحي بكل هذه الفرص لصالح  امتلاك السيارات بما أن البلد يفتقر إلى وسائل النقل العامة". وأوضحت قائلةً لم يُتخذ أي إجراء يصب بمصلحة المشاة أو المتنزيهين أو الشباب أو كبار السن أو أولئك الذين لا يملكون سيارات. "ونخفي خوفنا من الأخر بالقول إن ركوب الحافلة ليس من ثقافتنا." وفي هذا المجال، استنكرت السيدة يونس قائلةً إن الحافلات التي قدمتها فرنسا مؤخرا للبنان أكلها الصدأ وهي لا تزال مركونة في مكأنها.

مشاريع متوقفة...

في حزيران/ يونيو أعاد الخبراء النظر في تعطيل تشييد ساحة عامة في منطقة مار مخائيل تهدف إلى تحسين نوعية المرور في الحي  وإقامة مساحات ملائمة للمشاة.

وأكد محمد شمعة أن في مار مخائيل يلتقي أشخاص قادمون من خلفيات ثقافية مختلفة في أماكن خاصة كحانات والمطاعم، وتابع مستنكرًا أن تشييد ساحة عامة في المنطقة توقف بسبب التدخلات السياسية. وقال أن إقامة المزيد من المشاريع تحتاج إلى إرادة سياسية. وأضافت هلا يونس قائلةً أن نواب المنطقة ووجهاءها الذين لم ينجحوا قط بخفض مكبرات صوت الحانات في جيمزة ومار مخائيل أو بتأديب العاملين في مواقف السيارات الذين يستحوذون على الساحات العامة لكن سرعان ما اعتبروا  أن الاشجار والمقاعد ستُخلّ بالإنتظام العام.

وعلى حد تعبيرها يكمن خلف هذه العصبية رفضٌ يتمثل بأن تشييد الادارة المركزية العامة مشروعا ذا منفعة عامة في منطقة يجب أن تبقى مدارة من قبل هؤلاء بمنطق طائفي ومنطقي.

...في المقابل تكلل مبادرات أخرى بالنجاح

أن المشهد ليس بهذه السوداوية  وإن ذهبت بعض المبادرات هباءًا منثورًا وتكلل بعضها الأخر بالنجاح في كل من المدينة والريف.

لقد افتتح في تموز/يونيو 2021 منتزه الصنوبرة للتزحلق في حديقة حرش الصنوبر في بيروت القريبة من منطقة طريق الجديدة ويعد أول مكانٍ عامٍ مخصصٍ للتزحلق في لبنان.

في هذا السياق قرر ماتزي خبير ألماني يعيش في لبنان ومن محبي التزحلق أن ينفذ هذا المشروع بعد الانفجارات التي وقعت في 4 آب/أغسطس 2020 في مرفأ بيروت و قد حاز على دعم الكثير من الأطراف منها المنظمات غير الحكومية. منذ أن افتتح هذا المكان الذي تبلغ مساحته 1.100 متر مربع، استقبل أطفالًا من مختلف المجتمعات لا سيما الأطفال القادمون من مخيمات صبر وشاتيلا المجاورة. في هذا الصدد يعتمد هذا المكان على الادارة الذاتية لضمان سلامة الزائرين في ظل غياب الدولة.

لا يقتصر إقامة هذه المبادرات على المدينة بل يمتد ليشمل بلدة بعبدات في قضاء المتن حيث وضعت ثلاث حدائق عامة في خدمة السكان. واقيمت الحديقة الأولى منذ خمسة عشر عامًا في الفترة الذي شيد فيها أوستراد إميل لحود. وتستفيد البلدية من هذه الحديقة لتستقطب سنويًا عددًا كبيرًا من الناس عن طريق تنظيم "أسبوع ثقافي" في فصل الصيف. وجذبت أنشطة متنوعة أبرزها الغناء والرقص والشعر وعرض الافلام... مئات الأشخاص من مختلف الفئات العمرية. وتمكنت البلدية من أن تحافظ على هذا التبادل بين الثقافات عن طريق عرض مباريات كرة القدم خلال مسابقتي كأس العالم وكأس الاتحاد الأووربي. في هذا المجال حضر الكثير من المواطنين هذا الاسبوع الثقافي منهم أطفال وأسر وسكان المنطقة إلى جانب المغتربين الزائرين للبنان. وعلق رئيس البلدية الحالي هشام لبكي قائلًا "أن هذه الأنشطة عززت اللحمة بين سكان بعبدات من جهة والأشخاص الذين يزرون الحديقة من جهة أخرى."

وأشار رئيس البلدية أيضًا أن رمزي لبكي أحد سكان البلدة تبرع للبلدية بحديقيتين أخريين: وأُطلق على الحديقة الأولى اسم "يسوع المخلص" وعلى الثانية "توفيق لبكي" على اسم والد المتبرع. وتابع قائلًا : " في الحديقة الأولى، نظمنا القداديس ومآدب عشاء سنوية اتسمت بالطابع التقليدي. أمّا الحديقة الثانية التي تضم مساحات كبيرة للّعب وآلات لممارسة الرياضة  فيتمتع بها سكان المنطقة لاسيما الأسر." في سياق متصل، يشبه هذا النموذج النموذج الذي نفذته عائلة سكاف في زحلة حيث أقيم منتزه كبير يضم أيضًا آلات لممارسة الرياضة وضعت في خدمات السكان. لقد سمح هذا المنتزه  الذي يجذب عددًا كبيرًا من الأسر للأهل فضلا عن الشباب القادمين من مجتمعات مختلفة أن ينسجوا روابط مشتركة ويعززوا النسيج الاجتماعي في المنطقة.

لا تعد المساحات العامة مجرد مساحات يمكن الوصول إليها بل أماكن للعيش وللتعبير وللتواصل بين الأفراد. عندما نستثمر في هذه المساحات يمكن للبنان أن يتطلع إلى بناء مستقبل أفضل لجميع مواطنيه. فهل ستعي السلطات اللبنانية أهمية أن تقام مثل هذه المساحات؟ 

A+
A-
share
أنظر أيضا
13 شباط 2024 بقلم غيدا جابر، صحافية
13 شباط 2024
بقلم غيدا جابر، صحافية
03 شباط 2024 بقلم رزان العويني
03 شباط 2024
بقلم رزان العويني
03 شباط 2024 بقلم غدير حمادي، صحافية
03 شباط 2024
بقلم غدير حمادي، صحافية
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
25 نيسان 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
25 نيسان 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
08 نيسان 2024 بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
08 نيسان 2024
بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
07 نيسان 2024 بقلم ربى الزهوري، صحافية
07 نيسان 2024
بقلم ربى الزهوري، صحافية
تحميل المزيد