هل نجحت النقابات في إعادة توزيع السلطة في لبنان مع الانتخابات النيابية؟

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 آب 22 بقلم فرح نصور، صحافية 8 دقائق للقراءة
هل نجحت النقابات في إعادة توزيع السلطة في لبنان مع الانتخابات النيابية؟
عدرا قنديل
منذ بعد الحرب الأهلية في لبنان، تغيّر تشكيل النقابات وأصبحت تعكس جو البلد السياسي الحزبي. ووضعت الأحزاب يدها على النقابات العمالية التي تشكّل طبقة اجتماعية لا تنوّع فيها للشرائح المجتمعية. كذلك، كان دور نقابات المهن الحرة في الحياة السياسية شبه غائب منذ ما بعد الحرب المذكورة.

لكن انتفاضة 17 تشرين ساهمت بشكل أو بآخر بتغيير هذا المسار، إذ أضفت زخماً نقابيّاً تجلّت نتائجه في معظم الانتخابات النقابية التي جرت بعد الانتفاضة عام 2019، وفاز فيها مؤيّدو الانتفاضة في مواجهة أحزاب السلطة (فوز ملحم خلف برئاسة نقابة المحامين في 2019، وفوز ساحق في نقابة المهندسين في 2021). لكن جاءت انتخابات نقابة الأطباء في 2022، بعد الانتخابات النيابية، لتشكّل خيبة للوائح التغيير، بحيث فازت بالنقابة أحزاب السلطة فوزاً كاسحاً.

 

إلّا أنّ فوز نقابيّين في الانتخابات النيابية شكّل موضع تساؤلات عديدة عن مسار ودور النقابات في إعادة توزيع السلطة ما بعد انتفاضة 17 تشرين. ونتساءل هل بتنا أمام واقع نقابيّ جديد في تغيير الحياة السياسية؟ وهل بدأت نقابات المهن الحرة تستعيد دورها الحقيقي في الحياة السياسية وتؤثّر في القضايا الجوهرية في البلاد وفي رسم سياساته؟

 

ترتكز الدول المتطوّرة الديمقراطية على وجود أحزاب سياسية تحمل برامج اجتماعية وسياسية مختلفة تفرض وتؤمن بتداول السلطة عملاً بمبدأ الديمقراطية. وترعى القوانين فيها إنشاء نقابات تشارك في الحياة السياسية العامة ويكون لها تأثير حاسم في توجيه الرأي العام باتجاه قضايا محدّدة، إضافة إلى دورها في حماية مصالح وأوضاع المنتسبين إليها. أمّا في المجتمعات التي لم تتطوّر فيها الأنظمة السياسية الديمقراطية بعد، فللنقابات دور أساسي في التأثير والدفع باتجاه تغيير الوضع السياسي وتطويره، كما هي الحال في لبنان.

في بادئ الأمر، ولعرض رأي نابع من تجربة عملية في إطار إشكاليتنا، كان الحديث مع نقيب المهندسين، عارف ياسين، كون النقابة هذه خاضت أم المعارك بعد 17 تشرين 2019. برأيه، "في ظل الأزمة الراهنة، فإنّ دور النقابات أساسي في تغيير ميزان القوى لفرض تغيير الوضع السياسي، لأنّها تمثّل الشرائح الفاعلة والمنتِجة في القطاعات الاقتصادية المختلفة في البلد، من النقابات العمالية والهيئات المعنية بالتعليم إلى نقابات المهن الحرة".

والتغيير في نقابات المهن الحرة، بحسب ما يشرح ياسين، "بدأ بشكل ملموس منذ اندلاع انتفاضة الشعب اللبناني في 17 تشرين وكان له تأثير معنوي إيجابي كبير على خيارات الناس، وأعطى إشارة قوية بأنّ هناك إمكانية للتغيير النقابي والسياسي، لأنّه بعد سنوات طويلة اتّباع نهج سياسي واحد في البلاد، كثيرون اعتقدوا أنّ تغيير الوضع السياسي في المدى المنظور أمر مستحيل".

ويعطي ياسين دليلاً على شرحه، بأنّ "بعض نقابات المهن الحرة الأساسية، أنتجت كوادرها من خارج الإطار التقليدي ومن خارج اتفاق أحزاب السلطة، إذ للمرة الأولى تحدث نقابة المهندسين تغييراً جذرياً في انتخاباتها عام 2021 وتمنع محاولة تثبيت أعراف طائفية ومذهبية في مواقع النقابة وهيئاتها". وبنظره، "هذا ما أعطى قوة دفع إيجابي لقوى التغيير والاعتراض المنتسبين لنقابات المهن الحرة والناشطين في مجال الشأن العام، لخوض الانتخابات والوصول الى مواقع القرار في نقاباتهم"، ومثال على ذلك انتخابات نقابتي أطباء الأسنان والصيادلة عام 2021 .

لكن التغيير في نقابات المهن الحرة، لا ينعكس مباشرةً في الحياة السياسية، على ما يوضح ياسين، إذ "صحيح أنّ النقابات هي جزء من مسار التغيير السياسي، إنّما لا تستطيع وحدها فرض التغيير المطلوب وفرض عقد اجتماعي جديد، فهذا مسار طويل من العمل الذي يتطلّب انتظام قوى المعارضة والتغيير في تنظيمات سياسية تنتج مشروعاً سياسياً واقتصادياً واضحاً ومحدّداً، قادر على تغيير موازين القوى لفرض التغيير المطلوب".

وعن مؤشرات التغيير، يشير ياسين إلى أنّ "التغيير بدأ مع انتخاب عدد من النواب من قوى التغيير والانتفاضة ومنهم نقيب المحامين السابق ملحم خلف". فالنقابات بدأت تستعيد دورها في الحياة السياسية وازدادت فعاليتها بفعل استقلالها عن السلطة السياسية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، "شكّلنا اتحاداً للمهن الحرة من نقابات المهندسين والمحامين والصيادلة وأطباء الأسنان وباقي نقابات المهن الحرة، وبدأنا بالمواجهة مع المصارف من أجل حماية وتحصيل حقوق المودعين والنقابات"، وفق النقيب.

 

هل بدأت فعلاً بوادر التغيير؟ 

 

يعرض المدير التنفيذي لشبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية، زياد عبد الصمد، زياد عبد الصمد، شكل الحياة السياسية المتَّبعة منذ عقود في لبنان، والتي عرقلت دور النقابات في استعادة دورها الحقيقي في الحياة السياسية وإعادة توزيع السلطة. فلدى السلطة في لبنان، برأيه، "مناعة قوية، سِمتها الأساسية أنّها خارج مؤسسات الدولة"، إذ نجد القرار والقوة الحقيقية خارج مجلس النواب ومجلس الوزراء مثلاً، بحيث تُتَّخذ القرارات وفق توافقات خارج نطاق المؤسسات وتنعكس في داخلها. حتى أنّ القضاء ليس سلطة مستقلّة، بل يخضع لضغوط السلطة السياسية. من هنا فإنّ التأثير في السلطة من قِبل ضغوط النقابات المستقلّة ضئيل جداً، بحسب عبد الصمد. 

 

لكن ماذا عن قدرة النقابات على التغيير في هذا الواقع السياسي؟ يرى عبد الصمد أنّ دور القوى الاجتماعية والمجتمعية المؤثِّرة، مثل نقابات المهن الحرة، وقدرتها على التأثير "محدودة جداً"، رغم أنّها قادرة على التأثير في بعض القضايا غير الأساسية وغير الجوهرية. ويتّخذ مثالاً، تجربة نقابة المحامين، عندما حاول نقيب المحامين السابق والنائب الحالي ملحم خلف، العمل على ملفّين، أوّلهما ملف أموال المودعين المحجوزة في المصاريف اللبنانية، لكن تأثير جميع الضغوطات التي مارسها كان محدود جداً، لأنّ حلّ هذا الملف في مكان آخر، وحتى الآن ليس هناك اتّفاق على حجم خسائر القطاع المصرفي والجهة التي ستتحمّلها. أمّا الملف الآخر الذي توكّله أيضاً النقيب خلف، فهو ملف انفجار المرفأ، ورغم اتّخاذه صفة الادعاء المباشر كنقابة محامين، لم يستطع التأثير بمسار التحقيق، لأنّ القدرة التعطيلية لدى السلطة أقوى بكثير.   

 

كذلك حدث في نقابة المهندسين، عندما استلمت ملف أموال النقابة المحجوزة في المصارف، والتي تُقدَّر بنصف مليار دولار، قسم منها بالليرة وقسم منها بالدولار، وحتى الآن لم يتم تحرير أي مبلغ منها، وهذا الأمر على حساب المهندسين، بينما هي أموال مساهماتهم. كذلك الأمر بالنسبة لملفات أخرى كالنفايات الصلبة والأملاك العامة والكسارات وغيرها.

 

من المهم جداً، أن تسلّط النقابات الضوء على هذه القضايا، وفق عبد الصمد، وأن تنحاز إلى المواطن وحقوقه بدلاً من حماية السلطة ومواقفها وفسادها. ونستنتج هنا أنّ "المعركة شاملة للتأثير على هذه السلطة، وهي معركة بدأت قبل 17 تشرين، ومستمرّة في محطات أساسية". إذ يعتبر عبد الصمد أنّ انتخابات نقابة المهندسين والمحامين والانتخابات النيابية، "كلّها محطات في هذه المعركة، ويمكن الملاحظة هنا أنّ معركة النقابات تتّخذ منحاً تصاعدياً والمكسب يحالف قوى التغيير".


وعن وصول نقيب المحامين السابق ملحم خلف إلى النيابة، هل يمكن اعتباره خطوة للنقابات في إعادة توزيع السلطة؟ "مهم جداً الوصول إلى مجلس النواب، وصحيح أنّ رغم وصول النقيب ملحم خلف ونواب التغيير الآخرين، التأثير لا يزال محدوداً، لكن يبقى أكبر من غيابهم التام عن المجلس"، على ما يقول عبد الصمد. فوصولهم، سيفتح الطريق إلى معارك قادمة في انتخابات البلديات والاستحقاقات الأخرى. فالمعركة تتدرّج من نقابات مهن حرة إلى نقابات عمالية إلى حركة سياسية ناشئة إلى كتل برلمانية أصبحت موجودة.
 لكن في الوقت الراهن، "النقابات المستقلّة هي في بداية استعادة دورها في توزيع السلطة واستعادة الحقوق"، يورد عبد الصمد، مضيفاً أنّ المعركة صعبة بالتزامن مع انسداد سياسي وتعطيل للمؤسسات وضغط معنوي ومادي على المواطنين، "المعركة صعبة جداً وهي صراع مفتوح". 

 

من هنا نسأل، هل شكّلت الأزمة الراهنة بعد 17 تشرين، فرصة للنقابات المستقلّة لاستعادة دورها وإعادة توزيع السلطة؟ "نعم"، يجيب عبد الصمد، رغم أنّ قبل 17 تشرين برز تحرّك "طلعت ريحتكن" في 2015، وتفاقُم الأزمات في لبنان شكّل فرصة للنقابات دون شك، إذ كان هناك مساراً تصاعدياً للتحركات والظروف والممارسات التي أدّت إلى 17 تشرين. من هنا، اتّخذ الصراع منحاً مختلفاً أوصل بالنهاية أشخاصاً إلى نقابات المهن الحرة كصرحٍ أساسي في تحدي السلطة، كما أدّى إلى وصول أشخاص تغييريّين إلى مجلس النواب وسقوط رموز مرتبطة بالسلطة. 

 

فعلاً، المعركة للتغيير في الحياة السياسية تُخاض من مواقع مختلفة وفئات متنوّعة، وجزء أساسي منها هي نقابات المهن الحرة لأنّها تمثّل نخبة المجتمع، ومعظم أعضائها من الطبقة الوسطى التي قضت عليها الأزمة وهم في خط الدفاع الأول عن الحقوق. لذلك، برأي عبد الصمد، انتظام النقابات له تأثير أكبر بكثير، ومن هنا أهمية التركيز عليهم في إعادة توزيع السلطة. 

 

 

مسار التغيير السياسي من النقابات خفت مع انطفاء 17 تشرين

 

من جهته، كان للخبير النقابي الدولي، الدكتور غسان صليبي، وجهة نظر مغايرة لعبد الصمد ولياسين، بحيث اعتبر أنّ "نزعة التغيير في نقابات المهن الحرة لا تبدو مستمرة، فقد صعدت مع اندلاع انتفاضة 17 تشرين، وخفتت مع انطفائها". فالمسار الذي اتّخذته نقابات المهن الحرة بعد 17 تشرين، بدا غير متجذِّر، بدليل فوز أحزاب السلطة في انتخابات نقابة الأطباء في أيار 2022.

 

إذاً، ألا يُعتبر وصول النقيب خلف إلى النيابة ثمرة النضال النقابي في سبيل إعادة توزيع السلطة؟ بحسب صليبي، " الأمر ممكناً، لا يمكن جزم إذا كان لهذا النضال وحده الفضل في وصول خلف إلى النيابة، لأنّ عوامل عديدة ساهمت في وصوله، إنّما الأكيد أنّ شخصية خلف النقابية ساهمت في هذا الفوز". ووصول النقيب خلف إلى النيابة، ووجوده كنقابيّ وحيد في البرلمان من أصل 128 نائباً، هو مؤشر ضعيف جداً ولا يُبنى عليه كدورٍ نقابي في إعادة توزيع السلطة.

 

لكن ما الذي يحول دون تمكّن النقابات من إعادة توزيع السلطة، لا سيما بعد 17 تشرين؟ يشرح صليبي أنّ نقابات المهن الحرة هي نقابات تضمّ جميع الشرائح الاجتماعية، على عكس النقابات العمالية التي تضم أُجراء وعمّال. لذلك، فإنّ التنوّع في شرائح النقابات الحرة يحدّ من لعب هذه المؤسسات دوراً كبيراً، حتى على مستوى الطروحات الاقتصادية الاجتماعية. ودائماً ما تؤثّر فئات دون أخرى داخل هذه النقابات، بشكل أكبر في التوجّهات. لذلك، من الصعب أن تلعب هذه النقابات تحديداً دوراً في إعادة توزيع السلطة، فهي تنقسم في ما بينها. ففي الدول الغربية، حيث الانقسام حادّ بالسياسة، النقابات لا تنقسم في داخلها لأنّ تركيزها على المهنة وليس على السياسات الاقتصادية الاجتماعية. إنّما في لبنان، إذا ما وقع إشكال سياسي معيّن، لا تستطيع النقابات الحرة توحيد موقفها بسبب تنوّع أعضائها السياسي والاجتماعي.

 

لكن رغم ما ذَكر، يوضح صليبي أنّه "لا يمكن القول أنّ النضال النقابي في لبنان، وبعد الانتخابات النقابية، وآخرها انتخابات نقابة الأطباء، لا يمكن أن يستعيد دوره، على الرغم من أنّ المؤشرات الثابتة لحصول تغيرات فعلية في هذا الإطار، لا تزال غائبة". فبعد 17 تشرين، تشكَّل مثلاً تجمّع "مهنيّين ومهنيّات" لكنّه لم يستطع تجميع نواة لنقابة مستقلة، إنّما كل دينامية ديمقراطية، بغض النظر عن نتائجها، مفيدة للتغيير في السياسة"، بحسب صليبي.

 

في النهاية، تاريخياً وليس في لبنان فقط، النقابات التي تصنع تغييراً وتؤثر في إعادة توزيع السلطة، هي النقابات العمالية لأنّها طبقية وتنبع من موقع اجتماعي اقتصادي واضح. والنقابات العمالية في لبنان، كانت على هامش انتفاضة 17 تشرين كلياً، ولم تشارك فيها، إذ إنّ الأحزاب تضع يدها على النقابات العمالية منذ ما بعد التسعينات. فحركات نقابات العمال أثناء الحرب الأهلية، أقامت تظاهرات وكان العمال موحّدين بوجه الميليشيات. ولو استمرّوا، لكانوا شكّلوا نقلة في ما يتعلّق بإعادة توزيع السلطة في لبنان. 

A+
A-
share
أنظر أيضا
13 شباط 2024 بقلم غيدا جابر، صحافية
13 شباط 2024
بقلم غيدا جابر، صحافية
03 شباط 2024 بقلم رزان العويني
03 شباط 2024
بقلم رزان العويني
03 شباط 2024 بقلم غدير حمادي، صحافية
03 شباط 2024
بقلم غدير حمادي، صحافية
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
25 نيسان 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
25 نيسان 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
08 نيسان 2024 بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
08 نيسان 2024
بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
07 نيسان 2024 بقلم ربى الزهوري، صحافية
07 نيسان 2024
بقلم ربى الزهوري، صحافية
تحميل المزيد