بناء السلام من خلال التخطيط البيئي والمستدام للأحياء

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 13 حزيران 22 بقلم دايفيد عواد، أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانية الاميركية مدير معهد الدراسات والبحوث البيئية 6 دقائق للقراءة
بناء السلام من خلال التخطيط البيئي والمستدام للأحياء
عدرا قنديل
في حين تقترح هذه المقالة تخطيطاً للأحياء يراعي المجتمعات المحلية باعتباره أسلوباً لتوجيه الانتعاش بعد الحرب في الأحياء المقسمة، فإن السؤال الرئيسي المطروح ليس ما إذا كانت هذه الأساليب ستخفف الانقسامات بين الأحياء، لأن هذا الموضوع مختلف، وإنما كيفية تنظيم الأحياء المدمرة لتحسين نوعية الحياة فيها داخل مدينة قائمة على التجمعات ومقسمة.

تتأثر المدن المقسمة بالديناميكيات الاجتماعية والسياسية والمكانية، مما يسرّع في إنتاج الصراع والعنف. غالباً ما يتجسد التفاوت بين المناطق الجغرافية من حيث ظروف السكن أو إمكانية الاستفادة من البنى الأساسية الاجتماعية والمادية في المناطق الحضرية للمدن النامية، مما يؤثر على جودة الحياة لأولئك الذين يعيشون في هذه المناطق. لتضييق الفجوة المتزايدة بين الأحياء الفقيرة والميسورة، يحاول صانعو السياسات التعويض عن التباينات واستهداف هذه المناطق المحرومة. علاوة على ذلك، فإن التركيبة المحددة للمدن وتاريخها وخصائصها الجغرافية وحجم عدم المساواة في المجتمع، هي مجرد أمثلة قليلة على الحالات الطارئة التي تحدد الحاضر والمستقبل في المدن المقسمة. تنشأ الانقسامات عن مثل هذه الحالات الطارئة، وإذا لا يتم الاعتراف بها، يستحيل رسم خارطة طريق واضحة لوضع استراتيجية للتخطيط المستدام. على الرغم من أن النتائج على أرض الواقع يمكن أن تتبلور بشكل مختلف تماماً في كل مكان، سيكون من الأهمية بمكان النظر إلى المدن المقسمة مع مراعاة الخيارات الفردية المفضلة والقيود الفمروضة على الأفراد والفرص المتاحة.

 

بيروت مدينة مقسمة: على الرغم من وجود حدود واضحة خلال الحرب الأهلية (الخط الأخضر) كانت تفصل بين المنطقتين الشرقية المسيحية والغربية الإسلامية، لا تزال المئات من هذه الخطوط تقسم المدينة في يومنا هذا. تؤثر خطوط الصدع الحضرية أو المؤشرات المادية أو الخطوط الخفيّة على السلوكيات وتوحّد بين الهويات والمناطق. ولكن، في حين أزيلت هذه الخطوط الفاصلة رسمياً، لا يزال مناخ الانقسام الناجم عن هذه الحدود راسخاً بقوة في الخرائط الذهنية لسكان المدينة. كما تميل هذه الخرائط الذهنية، سواء من خلال التصدعات النفسية والاضطرابات الطائفية والعرقية والعوائق السياسية، إلى البروز في كثير من الأحيان بوتيرة أعلى مما كانت عليه خلال  الحرب الأهلية، مما يوفر نظرة ثاقبة إلى الشعور بالخوف والانفصال والغربة الذي يجتاح معظم المدن الكبرى. في حين أن محاولات الانتعاش مثل إعلان بيروت العمراني (أطلقت المبادرة نتيجة للجهد المشترك بين نقابة المهندسين وكليات العمارة في لبنان في أعقاب انفجار مرفأ بيروت) لا تزال تتمسك في معظم مقاربتها بالفكرة التي تنطوي على أن المدينة نموذج مادي موحد، وهو نهج متخفّي من الأعلى إلى الأسفل يقوض الاختلافات بين الأفراد، فقد حان الوقت لتحويل التركيز من هذا المفهوم الأوسع نطاقاً للمدينة إلى نهج يتمحور حول التعامل مع التعقيدات الاجتماعية والبنيوي والاقتصادية والبيئية: وهذا ما يسمى بالتقليص التدريجي.

 

تُقترح خمس توصيات بحيث يؤدي التقليص التدريجي لحجم التخطيط للأحياء بحيث يراعي المجتمعات المحلية إلى تغيير تحويلي يسلّم بطبيعة الانقسام في المجتمع:

 

أولاً، يمكن أن تصبح الأحياء أكثر شمولاً وملاءَمة للعيش ومساواة وأقل تكلفة من خلال أنظمة لاستخدام الأراضي تسهّل بناء مساكن جديدة، والانخراط في التخطيط المنصف الذي يعالج القضايا من جذورها.

 

ثانياً، مع إتاحة المزيد من الفرص للأفراد في الأحياء التي لا تحصل على تعليم وتدريب عالي الجودة، بالإضافة إلى تمكين الفئات المهمشة، فإن التخطيط للأحياء الذي يراعي المجتمعات المحلية يعني ضمناً التسليم بأن أي شخص يمكنه إحداث فرق في حياته وكذلك حياة الآخرين.

 

ثالثاً، من خلال استخدام معايير التخطيط القائمة على الأداء مثل تقسيم المناطق حسب الأداء، وأدوات تقييم استدامة الأحياء، والتقسيم المرن للمناطق، والتخطيط الموجه نحو النتائج، والتخطيط القائم على النتائج، يتم التركيز على التدخلات التكتيكية القصيرة الأمد.

رابعاً، مع السعي إلى تعزيز المقوّمات المادية والنفسية للأشخاص والبناء على ما يجب أن يقدمه الأفراد والمجتمعات، من المهم التفاوض بشأن ربط الأحياء الأكثر حرماناً بأماكن توفر الفرص من خلال وسائل نقل أفضل بين مواقع العمل والسكن باستخدام أشكال حضرية مرنة.

 

خامساً، لكي ينمو الاستقرار والتعايش الحضري، يجب أن يشمل المجال العام في كل من الأشكال المادية والمؤسسية جميع المجموعات المحددة الهوية والمتنافسة في المدينة والاستجابة لها من خلال تعزيز المجال العام المشترك وحمايته. من الناحية المادية، يجب أن يقوم المخططون بتنشيط وإعادة تطوير الأماكن العامة والمناطق التاريخية والمقوّمات العامة الحضرية الأخرى بوصفها أماكن للتفاعل والتزام الحياد تعزز الحياة السليمة للمجموعات وبين الأفراد.

 

بلدية بيروت تملك هذه المقومات، حيث تم تحديد ما يقرب من 300000 متر مربع من قطع الأراضي غير القابلة للبناء من خلال الأبحاث السابقة. في سياق المدن القادرة على الصمود، هناك إمكانية لإضفاء المنظر الطبيعي على هذه المساحات غير القابلة للبناء من خلال تنفيذ تصميم حضري صديق للبيئة ورائع. وستوفر إعادة تنشيط قطع الأراضي الخالية وتلك غير القابلة للبناء لبيروت المزيد من الفرص للاستفادة من المساحات المفتوحة والخضراء التي تتيح التنمية المستدامة في أحياء مثل الكرنتينا أو الباشورة، مما يحسن نوعية الحياة بالنسبة للسكان بوجه عام ويؤدي إلى تقليص وقت التنقل، وتحسين نوعية الهواء، والتخفيف من ارتفاع درجة الحرارة في المناطق الحضرية، وتحويل المساحات السائبة إلى أماكن عامة داخل الأحياء. في حين أن استخدام الأراضي الخالية لأغراض أخرى في المناطق الحضرية لن يعالج الجذور المسببة لعدم المساواة النظمية، يمكن أن تظل مثل هذه التدخلات وثيقة الصلة بالحياة العامة اليومية في المدن. بينما يعاني لبنان من أزمات متعددة ويكافح شعبه بدرجة أكبر كل يوم، تمسّ الحاجة إلى التضامن، ومن شأن الأماكن حيث يستطيع الناس التلاقي والتواصل أن تلعب دوراً رئيسياً في تعزيز هذا التضامن. يمكن أن تكون الأراضي الخالية مثل هذه المساحات، حيث يمكن إنشاء الملاعب وبنوك الطعام والبنية التحتية الأساسية، وحيث يمكن اختبار تجربة أشكال جديدة من الحياة المجتمعية.

 

يتطلب تحقيق هذا الإصلاح الربط بين مختلف الجهات الفاعلة وأصحاب المصلحة. يجب إشراك السياسيين والمخططين وعلماء الاجتماع وعلماء الأنثروبولوجيا والأخصائيين التقنيين وخبراء الاقتصاد والنشطاء المدنيين في عملية التنمية الحضرية، والعمل على المساحات ومواد وأدوات البناء، فيتم الجمع بين هذه المعارف ومجموعة من الأدوات القانونية والإدارية والتنظيمية والمفاهيمية والعلمية والأدبية والتفاوضية. يعتمد هذا النهج من الأسفل إلى الأعلى بشكل أساسي على البناء على العديد من مبادرات التنمية الصغيرة، بحيث يركز كل منها على موضوع محدد يحظى بالاهتمام، ويتفاعل مع المشاكل التي تحول دون اعتماد التخطيط المستدام وتطويره.

 

يمكن أن يكون الإدماج الاجتماعي والدور الذي يلعبه المواطنون في استراتيجية التنمية المستدامة مفيداً من خلال المساهمة الطوعية في تنمية الأحياء. يمكن أن يلبي دمج البرامج المناسبة، مثل التلاقي واللعب والعمل والتجمع والزراعة واتخاذ المبادرات في الأراضي الخالية في المناطق الحضرية، احتياجات الأحياء بدءاً من البنية التحتية إلى الزراعة، مما يخلق إحساساً بالمسؤولية الجماعية وفي الوقت نفسه يحسّن نوعية البيئة المحيطة. في العادة لا تتطلب مثل هذه المبادرات الكثير من الاستثمارات الرأسمالية أو الصيانة، ويمكن إدارتها من قبل المجتمع المحلي وتشغيلها مؤقتاً، فتتحقق النتائج بسرعة وربما تكون بمثابة محفز لتعزيز الحوار وبناء السلام.

 

المعلومات الواردة في هذا المقال مأخوذة من المقالات التالية التي نشرها د. ديفيد عوّاد:

 

-      التخطيط للأحياء في مدينة مقسمة: حالة بيروت

د. ديفيد عوّاد 

مجلة التخطيط العمراني 7 (1)

2022

 

-      التخطيط المستدام لمدينة بيروت بعد انفجار مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020: دراسة حالة إفرادية لحي الكرنتينا في منطقة المدوّر

د. ديفيد عوّاد، د. نوشيغ كالوستيان

مجلة الاستدامة 13 (11)، 6442

2021

 

-      استخدام المساحات الخالية المتبقية للتخفيف من ارتفاع درجة الحرارة في المناطق الحضرية في نطاق بلدية بيروت

د. نوشيغ كالوستيان، د. ديفيد عوّاد، غابرييل باتيستا، د. ميشيل زينزي

مجلة المناخ 6 (3)، 68

2018

 

A+
A-
share
أنظر أيضا
13 شباط 2024 بقلم غيدا جابر، صحافية
13 شباط 2024
بقلم غيدا جابر، صحافية
03 شباط 2024 بقلم رزان العويني
03 شباط 2024
بقلم رزان العويني
03 شباط 2024 بقلم غدير حمادي، صحافية
03 شباط 2024
بقلم غدير حمادي، صحافية
أحدث فيديو
كلما أعطيت الأرض أكثر، كلما أعطتك المزيد
SalamWaKalam
كلما أعطيت الأرض أكثر، كلما أعطتك المزيد
SalamWaKalam

كلما أعطيت الأرض أكثر، كلما أعطتك المزيد

تشرين الأول 06, 2023 بقلم يارا ضرغام، -
تحميل المزيد