المياه الدوليّة تحدّي تطبيق الإتفاقات الدوليّة

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 23 أيار 22 بقلم فادي قمير، المدير العام السابق للموارد المائيّة والكهربائيّة 13 دقيقة للقراءة
المياه الدوليّة تحدّي تطبيق الإتفاقات الدوليّة
عدرا قنديل
لا يوجد تحديد موحّد للمياه الدوليّة أي مياه البحار والمحيطات والأنهار. ما يعنينا في هذه المنصة المياه الدوليّة للأنهار العابرة للحدود التي تتقاسمها أكثر من دولة بين دول المنبع ودول المصبّ والدول المشاطئة. إنّ مياه الأنهار العابرة للحدود تعني توزيع المياه بين الدول المشاطئة بشكل عادل ومنصف، وقد أصبحت من القضايا الهامّة ذلك انه حوالى 60% من المياه الجارية في المنطقة العربية مثلاً هي عابرة للحدود الدولية، مثل نهر النيل ونهر الأردن ونهر العاصي ونهري دجلة والفرات وغيرها. فمعظم هذه المياه هي مصدر خلاف بين دول المنبع ودول المصب والدول المشاطئة. لمواجهة هذه المشاكل رفعت المنظمات المختصة والخبراء الصوت عالياً في العديد من المؤتمرات والمنتديات الإقليميّة والدوليّة، داعيةً الحكومات الى اعتماد إصلاحات سياسية ومؤسساتية وبخاصة قانونية تسمح بتأمين المياه من خلال مشاريع مكلفة، الى نشر الوعي وتعميم ثقافة ترشيد الإستهلاك من خلال تحسين كفاءة الشبكات وخفض هدر المياه وحمايتها من الإستغلال المفرط.

لا شك في أننا نواجه تحديات عديدة في مواجهة كل هذه المشاكل، فما هي هذه التحديات؟

لقد بات موضوع المياه حاجة ملحة للتنمية المستدامة في المنطقة العربية، ويُقدَّر الحجم الإجمالي لموارد المياه السطحية المتوافرة في البلدان العربية بـ  277 مليار م3 سنوياً، ولا ينبع في المنطقة العربية سوى 43 في المائة منها، اذاً م/2 المياه تأتي من خارج المنطقة العربية، وهذا هو التحدّي الأوّل الذي يُقلق ويشغل المسؤولين في الدول كافة، نظراً إلى صعوبة تلبية الطلب المتزايد عليها.

أمّا التحدّي الثاني فيكمن في أن حصة الفرد من المياه العذبة في المنطقة العربية هي الأدنى عالمياً، إذ تقل عن 800 م 3 سنوياً بينما المعدّل العالمي هو 7500 م3 سنوياً ومحور الضغط هو 1000 م3 سنوياً، إذاً دخلت المنطقة العربية محور "النضوب المائي"، ولذلك تبرز حاجة المنطقة بشكل كبير إلى اللجوء للوسائل غير التقليدية (الصناعية) لإنتاج المياه العذبة للشرب والريّ ولا سيما:

 تحلية مياه البحر التي تتطلَّب استهلاك كميات كبيرة من الطاقة، لكل م3 من المياه 1,7 كيلوواط من الطاقة، وهنا تجدر الإشارة الى أن دول الخليج العربي تخصّص حوالى 30% من انتاج الطاقة لديها لتحلية المياه.

- حفر الآبار العميقة في الخزّانات الجوفيّة غير المتجددة((Nappes Fossiles، وضخّ المياه لتغذية المدن العربية بمياه الشفة، كالأردن الذي يضخّ المياه من DIZI الى عمان عمق 1000م و350 كلم لنقل المياه ولبناء النهر الكبير العظيم1200م نقل 3000 كلم، وهذا ما يعرّض هذه الخزانات الجوفيّة الى النضوب وإلى صراعات مستقبليّة على الخزانات الجوفيّة المشتركة، ومن جهة أخرى لإرتباطها الوثيق بالأمن الغذائي، حيث أن قطاع الريّ في المنطقة العربية سيستنزف حوالى 80% من المياه المتجدّدة العذبة والنسبة في الواجهة العربية للبحر المتوسطة هي (56 %). هذه النسبة الكبيرة مردّها الى استعمال وسائل الري القديمة وليس الحديثة كالريّ بالتنقيط الذي يستهلك 6000 م3 من المياه لريّ هكتار بدلاً من 10,000 م3 للهكتار، وأيضاً غياب استهلاك المياه غير التقليدية (مياه الصرف الصحي) المكرّرة ثانياً وثالثاً (traitement secondaire et tertiaire)  والتي تستعمل للريّ في بلاد شمالي البحر الابيض المتوسط.

أما التحدّي الثالث الذي أضعه ضمن "المخاطر الداهمة"، فهو عامل الزمن والتغيّر المناخي وهو ذو تأثير كبير على كميات المياه المتوافرة في الأنهر.

إن هذا الواقع الضاغط يُحَوّل أنظار الدول الى الطمع بمياه جيرانها الوطنية، متجاهلة أصول التعامل والقوانين الدولية. وقد تداركت الأمم المتحدة هذا الأمر ليس فقط لتجنّب النزاعات والحروب وأضرارها، بل لتحقيق الإستخدام الأمثل المنصف والعادل لمصادر المياه المشتركة، بالإستناد الى اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بغية إرساء مفهوم "التعاون" مقابل مفهوم الإدارة "العسكرية والهيمنة" لأحواض الأنهر المشتركة، وهذا هو التحدّي الرابع.

صدّقت الدول العربية هذه الإتفاقية، وكان لبنان المبادر الأول على التصديق عام 1999 وطبّقها على أحواض العاصي والنهر الكبير (في ما يخصّ لبنان وسوريا) فكانت الترجمة الميدانية لهذه الاتفاقية إعادة النظر بما تمّ توقيعه .

لذا، إعتمدت الدول في معالجة هذه القضايا مفهوم الدبلوماسيّة المائيّة؛ بغية تحفيز التعاون من أجل الإنسانيّة بدلاً من أن تكون هذه المجاري مصدراً للنزاع بين الدول.

ويتم تدريجياً الإعتراف بأهميّة الدبلوماسيّة المائيّة في تعزيز هذا التعاون الدولي. ففي منطقة البحر الأبيض المتوسّط التي، على الرغم من كثرة مواردها، تُعاني من أزمة مياه تتفاقم بسبب التغيّر المناخي السريع، حيث تسبّب التّوتّرات الفرعيّة الإقليميّة في خلق جوّ من عدم الإستقرار السياسي نتيجةً لعدم الإكتفاء المائيّ.

تعتبر منطقة الشرق الأوسط، بما فيها لبنان، منطقة مُعرَّضة للخطر بسبب التغيّرات العالمية التي تؤثر على الموارد المائيّة ولها عواقب سلبية على مصادر المياه. وفي حلول عام 2025، من المُتوقَّع أن يرتفع عدد سكان العالم من حوالى 7 مليارات نسمة إلى 9 مليارات.

هذا النمو السكاني سوف يترافق مع زيادة في الاحتياجات الغذائية، وبالتالي إحتياجات مائية، لأنَّ الزراعة هي المُستهلِك الرئيسي للمياه العذبة (حوالى 70%، مقارنة مع 12% للاستخدام المنزلي و18% متوسط الاستخدامات الصناعية في العالم).

من المُتعارف عليه عموماً أن مناخَنَا يتغيَّر، وأنَّ العملية قد تتسارع في القرن الحادي والعشرين. إنَّ مُصطلح تغيُّر المناخ لا يَعني فقط "الإحتباس الحراري"؛ لكن من المحتمل أيضاً أن تتضاعف الأحداث المناخيّة المتطرفة في المستقبل، وهذا ما شهدته دول عديدة في العالم.

 

الدبلوماسية المائية

تُعتبر الدبلوماسية المائية أداةً للتعاون بين الدول المُتشاطئة لحوض ما، من أجل التخلّص من التوتّرات على مستوى الحوض من خلال تحويل المياه إلى عامل مُحَفّز للسلام وليس مَصدراً للنزاع. من هذا المُنطلق هي  وسيلة في خدمة بناء إدارة متكاملة للموارد المائية، الوطنية وعبر الوطنية، وفقاً لنموذج تعاوني، بعيداً عن المنطق المُجزَّأ أو الأمن أو الهيمنة، التي تضرُّ بالتنمية الإجتماعيّة والإقتصاديّة للعديد من البلدان.

ترمي الدبلوماسية المائية إلى بناء شكلٍ جديد للحكم يطمح إلى بناء السلام، وهي عملية للوقاية من النزاعات حول المياه والوساطة وحَلِّها. والهدف من ذلك هو استبعاد أشكال الهيمنة كافة من قِبل أي بلد على بلد آخر، وإبعاد الهيمنة العسكرية عن الوصول إلى مصادر المياه، ورفض مفهوم الإدارة الآمنة أو المُهيمنة على المورد.

لتحقيق غاياتها، تحشد المعالجة المائية كلاً من الخبرة الفنّية والدبلوماسية. فهي تجمع بين الدبلوماسيين والخبراء العلميين والأكاديميين وواضعي السياسات على مستوى الأحواض العابرة للحدود، من أجل الوصول إلى الإستخدام العادل والمعقول للمياه وتحقيق وضع المنفعة المتبادلة بين البلدان والمناطق المتشاطئة.

نموذج لبنان في الدبلوماسية المائيّة على نهر العاصي:

كان مفتاح هذا النجاح هو تطبيق كل من لبنان وسوريا لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 كإطار قانوني، ومتابعة مسار تقني ومؤسّسي يهدف إلى إنشاء منظمة للأحواض. حتى العام 1994 كان الاتفاق مُجحفاً بالنسبة إلى لبنان ومُربحاً لسوريا، وجرت مفاوضات جديدة بدأت عام 1999 أدّت في العام 2002 الى زيادة حصة لبنان 30 مليون م3 إضافياً، وإنشاء سدّين على العاصي وسدّ على النهر الكبير ومحطة توليد طاقة كهرمائية بقوة 80 ميغاواط. كل هذا جرى بالإستناد الى اتفاقية الأمم المتحدة للمياه المشتركة، وبذلك أرسى لبنان مفهوماً جديداً هو دبلوماسية المياه. إن مفهوم دبلوماسية المياه تمّ تبنّته من قبل منظمة الأونيسكو التي أقرّت في حلول عام 2015، تقديم هذه الحالة كنموذج مثالي للتفاوض في كتاب بعنوان "دبلوماسية العلوم وإدارة المياه العابرة للحدود: حالة نهر العاصي". كان هذا الكتاب فرصة للأونيسكو لتَبَنّي مفهوم دبلوماسية المياه.

 

البحر الميت بين خياريّ الجفاف أو إدارة مستدامة لحوض نهر الأردن

البحر الميت، هو عبارة عن بحيرة مالحة تبلغ مساحتها حوالى 810 م2 فقدت ثلث مساحتها على مدى السنوات الخمسين الماضية بسبب تحويل مياه حوض نهر الاردن من قبل اسرائيل منذ العام 1950، وبفعل الاستغلال المفرط لمياه هذا الحوض لأغراض الريّ، وبسبب الاستغلال المكثّف للبوتاس الذي أدّى أيضاً إلى تسريع عملية التبخُّر، ممّا أدّى إلى انخفاض مستوى سطح البحر بمعدل 90 سم سنوياً، كنتيجة لكل هذه الأعمال الآحادية الجانب من قبل إسرائيل. كما يتسبَّب تقلُّص البحر الميت أيضاً بمشكلة جيولوجية: فجوات ضخمة تُعَدّ العدو المشترك للقرى والمؤسّسات الواقعة على السواحل الأردنية والإسرائيلية (الواقعة على ضفاف النهر). نحصي منها أكثر من 5500 فجوة (هوّة)، حيث لم يكن لها وجود قبل 40 سنة.

يُشكّل البحر الميت موقع التفريغ النهائي لحوض نهر الأردن الذي ينبع من جبل الشيخ (قمة حرمون) في لبنان، وتتقاسمه عملياً 4 دول متشاطئة (لبنان وسوريا والأردن وفلسطين) ويُدار بطريقة عسكرية (هيمنة) من قبل إسرائيل (التي تحتل مزارع شبعا، مرتفعات الجولان، الضفة الغربية...)

تجدر الإشارة إلى أنه تمّ تطبيق مفهوم الإدارة المتكاملة للموارد المائية على مستوى الحوض والإدارة القائمة على التعاون، كل ذلك استناداً إلى اتفاقية الأمم المتحدة عام 1997 المعتمدة من قبل الدول العربية المتشاطئة كافة (لبنان، سوريا، الأردن وفلسطين)، واحتساب كل الموارد المتاحة قد تحقّق وفقاً لمفهوم الكتل المائية الجديدة بما في ذلك موارد المياه التقليدية وغير التقليدية، بالاضافة الى حلول الترابط. وسيشمل ذلك مشروع البحر الأحمر - البحر الميت الذي يتضمّن حفر قناة من البحر الأحمر إلى البحر الميت (180 كلم)، والفرق في مستوى 400 متر ستضاف إلى محطة كهرومائية؛ هذا يمكن أن يؤدي إلى حلول مستدامة لجميع المناطق المتشاطئة المشمولة في مشروع البحر الأحمر- البحر الميت

بالنسبة إلى الأردن، تشكل إتّفاقيّة أوسلو، التي لم تُطبّق بكل بنودها، نوعاً من التعاون الثنائي بين هذا البلد وإسرائيل. تحاول الأردن الواقعة أسفل الحوض بالشراكة مع إسرائيل، حالياً، تطوير مشروع قناة البحر الأحمر – البحر الميت الذي يقضي بتأمين أكثر من مليار متر مكعّب من المياه غير التقليدية لتأمين حاجاتها. ومؤخراً، سعت فلسطين إلى الدخول في هذا المشروع الذي كان مُقرّراً له أن يشمل الدول المتشاطئة كافة، بيد أنه بفعل الضغط الذي يُمارَس على كل الدول العربية تمّ حصره بطرفين هما إسرائيل والأردن. وقد قدّم لبنان إلى الأمم المتحدة مشروع دمج المياه التقليدية وغير التقليدية من أجل إنشاء هيئة إدارة حوض مشترك بإشراف الأمم المتحدة.

بسبب إدارة إسرائيل المهيمنة على حوض نهر الأردن، فإن المهمة الدبلوماسية المُتمَثّلة في إيجاد حلول للإدارة الجيدة إستناداً إلى إتفاقيّة الأمم المتحدة لعام 1997 لتقاسم عادل واستخدام معقول للمياه في المنطقة، هي في الواقع محظورة.

وقّعت الدول العربية الاربع المتشاطئة على اتفاقية الأمم المتحدة وتسعى باستمرار إلى تعزيز التعاون من أجل الإدارة المنصفة لهذا الحوض؛ في حين أن إسرائيل ليست من الدول المُوَقِّعة على هذه الاتفاقيّة، وتُشجِّع تدابير هيمنة في إدارتها للمياه، وهذا ما يؤثّر على الضغط المائي في الدول العربية.

وفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2018، تستخدم إسرائيل 90% من المياه، بينما يحصل الفلسطينيون على 10% فقط، ويظهر هذا التقرير الاختلاف الكبير في استهلاك المياه بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ففي فلسطين، ووفقاً لتقرير البنك الدولي، فإنه تمّ استخدام 90% من المياه في الضفة الغربية لصالح اسرائيل، بينما لا يستفيد الفلسطينيون إلاّ بــ 10% منها، وهذا يظهر الفجوة في الإستهلاك بين الاسرائيليين والفلسطينيين 30 ل/ يوم للفرد الفلسطيني مقابل 380 ل/ يوم للفرد الاسرائيلي.

وأيضاً، إستناداً إلى تقرير الجمعية الوطنية الفرنسية، تكمن سياسة الهيمنة على سوريا بإحتلال هضبة الجولان التي تغطي ما نسبته 22% من الحاجات المائية لإسرائيل، وهذا أيضاً مشابه لنهرَي دجلة والفرات حيث أن بلد المنبع هو تركيا التي تمارس الضغط المائي على العراق وسوريا بعد تشييد مشروع GAP "الغاب" في تركيا.

وبناءً على تقرير الجمعية الوطنية الفرنسية في عام 2011، فإن الهيمنة السياسية والعسكرية لحوض نهر الأردن من قبل إسرائيل تتجلَّى في احتلالها مرتفعات الجولان في سوريا، التي تغطي 22% من احتياجات إسرائيل المائية وفي احتلالها لمزارع شبعا في لبنان.

تعتبر الدبلوماسية المائية أداة للتعاون بين الدول المتشاطئة لحوض ما، من أجل التخلُّص من التوتّرات على مستوى الحوض من خلال تحويل المياه إلى عامل مُحفّز للسلام وليس مصدراً للنزاع.

يُمثِّـل مفهوم الدبلوماسية المائية الذي قَدَّمْتُهُ إلى المجتمع الدولي، بعد المفاوضات في شأن حوض نهر العاصي، مثالاً للمفاوضات الناجحة التي أفضت، بعد أكثر من 50 عاماً من المفاوضات، إلى اتفاق مُربح للجانبين اللبناني والسوري في ما يتعلّق باقتسام مياه نَهرَي العاصي والكبير الجنوبي.

إنّ المفهوم الأساسي في توجّه الدبلوماسيّة المائيّة يستند إلى مبدأ "التقاسم العادل والمنصف لمنافع الماء" وهو مبدأ غير تقليدي، أكثر أهميّة من مفهوم كميّة الحصص المائيّة التي تعود إلى الإستهلاك الفردي والجماعي في حدّ ذاتها، ويصبح مثل هذا التوجّه في السياسة جزءاً لا يتجزّأ من إستراتيجيّة التّكيّف مع تغيّر المناخ، ويلعب دوراً مهمّاً في تحديد الأولويّات لتطوير الأحواض العابرة للحدود وإدارتها، ولكن ينبغي إحاطة الدبلوماسيّة المائيّة وتشجيعها مع تيسيرها بدعم وإستخدام الأطُر المؤسّساتية الدوليّة المناسبة بالتوازي مع الحوار والتعاون على أساس التقاسم العادل، والإستخدام الرشيد للمياه في الأحواض العابرة للحدود، من أجل منع الصّراعات، وتسوية النزاعات بين الأطراف المتنافسة تحت نهج "الماء للسلام"، فتتخلّى بذلك عن خطابات ووجهات نظر "الحرب والمياه".

من الضروري الإشارة إلى أنّ الدبلوماسيّة المائيّة ليست دبلوماسيّة "بديلة" تستبدل صُنّاع القرار الوطني، بل هي تشكّل مجموعة مفاهيم وآليّات عمل، بالتعاون بين الخبراء المعنيّين من أجل عرضها بوسيلة واعية ومتماسكة، للقضايا والمشكلات المائيّة الحيويّة، والملحّة، وسبل إيجاد حلول لها، مع الأخذ في الاعتبار وجهات النظر، وتطلّعات أصحاب المصلحة في الأحواض العابرة للحدود غير التابعين للدولة (مثل السُّلطات المحليّة، والمجتمعات، والقطاعات الاقتصاديّة، والمجتمع المدني بشكل عام) في كل البلدان المُتشاطئة من أجل تنفيذ التدابير المتّفق عليها لإدارة الأحواض.

كما أنَّ مفهوم الدبلوماسية المائية إستناداً إلى مفهوم الإدارة المتكاملة على مستوى الحوض، من شأنه إيجاد كمية مياه إضافية في المنطقة باستخدام المياه التقليدية وغير التقليدية؛ للوصول إلى تطبيق مفهوم الكتلة المائية الجديدة (New Water Mass, NWM).  إن هذا المفهوم إذا ما طُبّق على حوض نهر الاردن مثلاً؛ فإنه سوف يُمَكِّن من الحصول على كمية مياه تصل الى نحو 4 مليارات متر مكعب في السنة، على أن تكون هذه المساهمة مُوزَّعة بشكلٍ عادل بين دول الحوض بغية استعادة الدول العربية لأراضيها التي احتُلَّت عام 1967، وهي مرتفعات الجولان (سوريا) ومزارع شبعا (لبنان)، وبالتالي سحب الذريعة الاسرائيلية المتعلقة باحتلال الأرض مقابل المياه.

إنَّ أُسُس توزيع الكتلة المائية الجديدة (4 مليارات م3/سنة) بين الدول المتشاطئة يجب أن تستند إلى مفهوم التقاسم العادل والإستخدام المنصف. كما أن الإجراءات المتعلّقة بها يجب أن ترتكز على معايير فنية مُوحَّدة ومُحدّدة جيداً من أجل تَجنُّب الهدر في المياه في كل قطاعات استثمار المياه (مياه الشرب والريّ والحفاظ على البيئة).

إنّ الانضمام، والتصديق، والتنفيذ السليم لإتّفاقيّة الأمم المتّحدة لعام 1997 حول حقّ إستخدام المجاري الدولية المشتركة للأغراض الملاحية، وإتّفاقيّة UNCE 1992  حول حماية وإستخدام مجاري المياه العابرة للحدود، والبحيرات الدوليّة، واللّتين تشكّلان أساس القانون الدولي المائي، هو أمر يشكّل أساساً وركيزة ذات أهميّة أساسيّة لتطوير الدبلوماسيّة المائيّة، والتعاون الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، ويسهّل إقامة قنوات تواصل عاديّة للدبلوماسيّة المائيّة بين البلدان المُشاطئة.

كما أنّ كل الإتّفاقيّات، والعمليّات الدوليّة، والإقليميّة المناسبة، والمبادرات التي تتعلّق بقضايا المياه، والإدارة المتكاملة للموارد المائيّة، والمناطق السّاحليّة، وطبقات المياه الجوفيّة، والتكيّف مع تغيّر المناخ، مثل إتّفاقيّة برشلونة وبروتوكولاتها ذات الصلة، والإتّحاد من أجل المتوسّط، إنّما شكّلت أدواتٍ وأطراً وآليّات أساسيّة للدِّبلوماسيّة المائيّة في المنطقة.

 

أسس توزيع الكتلة المائية الجديدة :

إنَّ أُسُس توزيع الكتلة المائية الجديدة (4 مليارات م3/سنة) بين الدول المتشاطئة، يجب أن تستند إلى مفهوم التقاسم العادل والاستخدام المنصف. كما أن الاجراءات المتعلقة بها يجب أن ترتكز على معايير فنية موحّدة ومحدّدة جيداً من أجل تَجنُّب الهدر في المياه في قطاعات الاستثمار التالية:

 

1- قطاع مياه الشرب

*200 ليتر/يوم/ شخص (بما في ذلك التسرّب في الشبكات الذي يجب ألاّ يتجاوز نسبة الـ 25%). ويجب بذل جهد جماعي من أجل زيادة فعاليّة شبكات مياه الشرب. لهذا، إن تطبيق إستراتيجية لإعادة تأهيل شبكات التوزيع يرتكز على:

 - تأهيل شبكات مياه الشرب لتخفيف نسبة الهدر فيها

 إنشاء السدود مثل سد ابل السقي وسد الوحدة هو أمر ضروري لزيادة المصادر المائية، بالإضافة إلى تحلية مياه البحر ومشروع قناة البحر الاحمر- البحر الميّت بغية تنظيم إدارة أعلى الحوض.

 سياسة تعرفة عادلة للمستخدمين في ضوء مصادر الكتلة المائية الجديدة، سواء أكانت مصادر تقليدية أم غير تقليدية. إن المناطق التي لديها نظم توزيع ذات كفاءة أكبر من 75% لها الحق في الحصول على حسومات كبيرة لتشجيعها على وقف الهدر في المياه.

- ضرورة تركيب عدّادات المياه على شبكات التوزيع كافة ويمكن الاستعانة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق هذه الأهداف.

 

2- قطاع مياه الري

 - تحسين كفاءة نظم الريّ واعتماد نظام لمراقبة جودة مياه الريّ من أجل تحديد كمية مياه الريّ للهكتار بـ 7000 م3 على الأكثر، وهذه الكمية تحتّم علينا استخدام تقنيات ريّ جديدة (الرش والريّ بالتنقيط) والتسميد بغية تحسين جودة نظم الريّ.

-      إنشاء جمعيات مستخدمي مياه الريّ (WUA) لإدارة المشاريع المتوسطة والصغيرة.

-     إستخدام مياه الصرف الصحي في الريّ بعد معالجتها.

- الحدّ من المساحات الخضراء العائدة لـ "المناظر الطبيعية"، والتي تستهلك كميات كبيرة من المياه.

3- الحفاظ على البيئة

- تطبيق مبدأ "الملوّث يدفع" للدول المتشاطئة التي تلوث المجاري المائية الدولية.

 الحفاظ على النظم الإيكولوجيّة للأنهر وإنشاء نظام المراقبة الفنية (المراقبة) الذي يحافظ باستمرار على عدم تدهور بيئة الأنهار.

 تركيب محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي لحماية نوعية المياه في الأنهار وعدم إلحاق الضرر بتلويث الحوض الاسفل.

إن منظمة إدارة الحوض العابر للحدود (River Basin Organisation, RBO)  تشكّل آلية تسمح بضمان وجود بيئة مناسبة لتطبيق الإدارة المتكاملة للموارد المائية والقيام بالأعمال التالية:

• التوزيع العادل للمياه بين الدول المتشاطئة.

• التخطيط المتكامل لمشاريع البنية التحتيّة.

• تدريب المجموعات على المستوى الإقليمي.

• وضع إستراتيجيات لإدارة الموارد الطبيعية وبرامج لإعادة تأهيل التربة وبيئة الأنهار المتدهورة.

• إنشاء برنامج تدريبي لصالح عملية إتخاذ القرار وإدارة النزاعات.

• إنشاء بنك للبيانات المائية الاقليمية الموثوق بها التي يمكن الوصول إليها، بغية توحيد البيانات المتعلقة بالموارد المائية الإقليمية على الصعيد الكمّي  والنوعي بالنسبة إلى الدول المتشاطئة للحوض نفسه. ويمكن للنظام المعلوماتي الاورومتوسطي للمعرفة في مجال المياه (SEMIDE) إنشاء مكتب إقليمي بهدف تأمين المتابعة المستمرّة لهذه المؤسّسة.

• هذا الجهاز الاقليمي لمنظمة إدارة الحوض العابر للحدود يمكن أن يُنشأ تحت رعاية الأمم المتحدة أو الإتحاد من أجل المتوسط وأن تعهد إدارته الى مُمثّلين من قبل الدول الخمس المتشاطئة، على أن تكون الرئاسة دورية بين هذه البلدان.

• تطبيق الإدارة الرشيدة.

• مراكز المعلومات والتدريب في قطاع المياه: لبنان، فلسطين ...

إن هذه الاجراءات سوف تشكل حلاً دائماً للتعويض عن النقص في المياه، وستوفّر للأجيال القادمة سلاماً دائماً في المنطقة.

 

A+
A-
share
أنظر أيضا
13 شباط 2024 بقلم غيدا جابر، صحافية
13 شباط 2024
بقلم غيدا جابر، صحافية
03 شباط 2024 بقلم رزان العويني
03 شباط 2024
بقلم رزان العويني
03 شباط 2024 بقلم غدير حمادي، صحافية
03 شباط 2024
بقلم غدير حمادي، صحافية
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
25 نيسان 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
25 نيسان 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
08 نيسان 2024 بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
08 نيسان 2024
بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
07 نيسان 2024 بقلم ربى الزهوري، صحافية
07 نيسان 2024
بقلم ربى الزهوري، صحافية
تحميل المزيد