نظرة على ماضي الطاقة الكهرومائيّة وآفاقها في لبنان

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 26 تشرين الثاني 21 بقلم تالا رمضان، صحافية 5 دقائق للقراءة
نظرة على ماضي الطاقة الكهرومائيّة وآفاقها في لبنان
عدرا قنديل
من بيروت إلى بعلبك، يعاني الملايين من الناس من انقطاع الكهرباء يومياً في لبنان، مع ما يترتّب على ذلك من تأثير معطّل للأعمال والمدارس والرعاية الصحية والخدمات الأساسية الأخرى، بما في ذلك المياه الجارية والصرف الصحي. لا يمكن الإستهانة بالعواقب الإجتماعية والإقتصادية والسياسية لأزمة الطاقة الوشيكة في لبنان، لأنّ القليل يعمل من دون كهرباء.

يتمّ تشغيل قطاع الطاقة الكهربائية في لبنان من قبل مؤسسة كهرباء لبنان (EDL)، وهي مِرفق طاقة مستقلّ تملكه الدولة، مهمّته توليد الكهرباء ونقلها وتوزيعها في جميع الأراضي اللبنانية.

إنّ مرفق الطاقة هو مؤسسة عامة ذات طابع صناعي وتجاري ويعمل تحت الوصاية الإدارية لوزارة الطاقة والمياه، المسؤولة عن صياغة السياسات لقطاعات المياه والطاقة والوقود.

إعادة للتاريخ

يعدّ لبنان المرشّح الأوّل للطاقة المتجدّدة لأنّه يمتلك وفرة من الموارد الطبيعية وينعم بفوائد مناخية. وقد تمّ بناء معظم محطّات الطاقة المائية خلال "العصر الذهبي" في لبنان، حيث أنتجت البلاد 75% من الكهرباء من المياه. 

إنّ الطاقة الكهرومائيّة هي أقدم أشكال الطاقة البديلة في لبنان ووفّرت معظم الكهرباء في سنوات ما قبل الحرب الأهلية.

نهر الليطاني

كان الهدف من مشروع توليد الطاقة الكهرومائية في نهر الليطاني هو حلّ جميع مشاكل لبنان.

ولطالما تمّ الإعتراف بإمكانات نهر الليطاني في التنمية الوطنية، ولكن تجدّد الإهتمام بفكرة مشروع مشترك واسع النطاق للطاقة الكهرومائية والريّ ظهر في السنوات الأولى للجمهورية اللبنانية المستقلّة. ففي عام 1948، قام إبراهيم عبد العال، وهو مهندس وأستاذ في معهد الهندسة العالي في بيروت (ESIB)، ولاحقاً المدير العام لوزارة الأشغال العامة، بنشر دراسة عنوانها: Le Litani: Etude Hydrologique (الليطـاني: دراسـة هيدرولـوجيـّة)، وهي دراسة وتبرير لمشروع محتمل لتوليد الطاقة الكهرومائية والريّ على نهر الليطاني. 

ونتيجة لذلك، في حلول أوائل خمسينات القرن الماضي لم يتمّ استخدام سوى نسبة ضئيلة مما يمكن تصوّره من حيث توليد الطاقة الكهرومائيّة، ووعد برنامج مهمّ لنهر الليطاني بزيادة كمية الطاقة الكهرومائية المولّدة في البلاد بشكل كبير.

وكان لبنان، على عكس جيرانه، يمتلك موارد مائية غنيّة لم يتمّ التعرّف على إمكاناتها واستغلالها إلا للتوّ. 

بعد الحرب العالمية الثانية، بدأ توليد الطاقة الكهرومائيّة ينمو بسرعة في لبنان، وذلك بفضل مجموعة متنوّعة من العمليات الخاصة تموّلها الشركات الدولية ويقع معظمها على نهري البارد وإبراهيم.

وقد رأى بعض الأكاديميين والمؤرّخين أنّ مشروع الطاقة الكهرومائية لنهر الليطاني هو الحلّ لجميع قضايا لبنان. كان الغرض منه توفير طاقة كهربائية رخيصة ووفيرة مع زيادة كبيرة في مساحة الأراضي الزراعية المرويّة في سهل البقاع وعلى طول ساحل البحر الأبيض المتوسط بين بيروت وصيدا.

ومن شأن الطاقة الرخيصة أن تمكّن الصناعة من الإزدهار، فتحوّل الإقتصاد بعيداً عن اعتماده الخطير على الدخل غير المرئي وقطاع الخدمات، وتسمح للقطاعات الإنتاجية في البلاد بأن تتولّى زمام المبادرة.

 

وعلى نحو مماثل، فإنّ التوسّع الكبير في الريّ من شأنه أن يسمح بنمو زراعة أكثر كثافة وفعاليّة، وزيادة الدخل في المناطق الريفية فضلاً عن صادرات المحاصيل النقدية، وبالتالي تحسين الميزان التجاري اللبناني المستمرّ في التدهور.

وستستفيد صناعة السياحة أيضاً، لأنّ بحيرة القرعون، التي أنشأها السدّ الكهرومائي الرئيسي، ستوفّر ملاذاً جميلاً للزوّار، وسترتفع الفنادق ودور الضيافة على طول حدودها. 

وباختصار، كان من المفترض أن يكون مشروع الليطاني حلاً شافياً، وعلاجاً شاملاً لأوجه التفاوت العديدة في لبنان، وبداية عصر جديد. 

لكن دعونا نتوقّف قليلاً ونطرح سؤالاً أكثر جوهرية: أين نحن بالضبط من الطاقة البديلة اليوم؟

إنّ أسباب الإنقطاعات الحالية للكهرباء مختلفة.

فقد أدّى الفساد المستشري إلى تفاقم التحديات المادية. إذ قام الساسة بتأخير الحلول أو منعوها إذا لم يحصل المقرّبين منهم على عقود لتشغيل أو صيانة أو بناء محطات توليد الطاقة.

أمّا الواقع فقد اختلف قليلاً، وربما بشكل غير منتظر، ولم يرقَ إلى تحقيق هذه الأهداف الطموحة. ولم تطبّق قطّ النوايا المتعلّقة باستخدام مياه الليطاني للريّ، كما تمتّ تنحية مطالب الريّ جانباً باستمرار لصالح إستخدام المياه لتوليد الطاقة. وفي الوقت نفسه، عجزت القدرة الإنتاجية في تحقيق ما كان يمكن تحقيقه بسبب المنافسة من جانب مزوّدي الطاقة التجاريين الحاليين والنفقات الباهظة لمشروع الليطاني، مما جعل منتجه من الطاقة مكلفاً للغاية بحيث لا يمكن بيعه من دون دعم.

نتيجةً لذلك، تواصلت الأزمة الزراعية الطويلة في لبنان بلا هوادة، وفيما تزامن إنجاز مشروع الليطاني مع إرتفاع كبير في الصادرات الصناعية الخفيفة، لم يكن التطوُّران مرتبطَيْن على الإطلاق، ولم يصلنا عصر الطاقة الكهربائية الرخيصة والوافرة التي كانت ستطلق ثورة صناعية.

لقد اتّسمت السنوات الأولى من الجمهورية اللبنانية بالإحتجاجات والسخط الشعبي على مجموعة من المواضيع، أبرزها غلاء المعيشة. كانت شركة كهرباء بيروت (EDB) وهي شركة ذات امتياز فرنسية خاصة يدعمها رأسمال فرنسي وبلجيكي وسويسري، أكبر شركة مرافق في البلاد، وكانت مسؤولة عن توليد نحو 57% من الطاقة الكهربائية في لبنان عشية الإستقلال، ولكنّها كانت محطّ استياء متزايد بسبب الأرباح المرتفعة التي كانت تجنيها رغم سوء الخدمة التي كانت تقدّمها.

كانت شركة كهرباء بيروت، كسائر الشركات ذات الإمتياز الأخرى، تشكّل عقدة حيوية في الشبكة الفرنسية التي سعت إلى الهيمنة الإقتصادية في الشرق الأوسط بشكل عام ولبنان بشكل خاص. 

وفي السنوات الأولى من الإستقلال اللبناني، شاركت شركة كهرباء بيروت، إلى جانب المصالح الفرنسية الفاعلة الأخرى في البلاد، في حملة لتشكيل اتجاه السياسة الإقتصادية والتنموية اللبنانية بطريقة حافظت فيها على المكانة المتميّزة للشركات الفرنسية في القطاعات الرئيسية مثل إمدادات الطاقة. وقاد هذه الحملة، إلى حين تنحّيه في عام 1951، رينيه بوسون، المدير النافذ لبنك سوريا ولبنان.

وتماشياً مع الظروف الإدارية والإقتصادية الأقلّ من مثالية المشار إليها أعلاه، بدأ التنفيذ الفعلي لمشروع الليطاني ببطء في عام 1957 وأعاقته سلسلة من القضايا الخطيرة تدريجياً.

تسريع إلى الأمام

وسرعان ما واجه مشروع الليطاني سلسلة من التحديات والنكسات الخطيرة، ومعظمها نتيجة لسوء المراقبة والإدارة غير الكفوءة، التي ينبغي اعتبارها انعكاسات للسياق السياسي والإقتصادي الأوسع الذي تمّ فيه تنفيذ المشروع.

كان رفض الطبقة الحاكمة اللبنانية الصريح للتبنّي الحماسي لليبرالية الإقتصادية الجارية يعني أنّ مشروع الليطاني، وهو مشروع تنموي طموح يتطلّب تخطيطاً دقيقاً وتدخّلاً واسعاً من الدولة لضمان نجاحه، من غير المرجّح أن يكلّل بالنجاح.

وقد أدّى تجاهل مؤسسات الدولة الأساسية، وتشويه سمعة المالية العامة والإدارة العامة، وخصوصاً على الساحة الإقتصادية، وتعزيز مصالح القطاع الخاص، إلى خلق مناخ مؤاتٍ للفساد وسوء الإدارة والمحدودية في صنع القرار. 

 

A+
A-
share
أنظر أيضا
13 شباط 2024 بقلم غيدا جابر، صحافية
13 شباط 2024
بقلم غيدا جابر، صحافية
03 شباط 2024 بقلم رزان العويني
03 شباط 2024
بقلم رزان العويني
03 شباط 2024 بقلم غدير حمادي، صحافية
03 شباط 2024
بقلم غدير حمادي، صحافية
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
25 نيسان 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
25 نيسان 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
08 نيسان 2024 بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
08 نيسان 2024
بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
07 نيسان 2024 بقلم ربى الزهوري، صحافية
07 نيسان 2024
بقلم ربى الزهوري، صحافية
تحميل المزيد