المواطنة "من القاعدة": ممارسة طوباوية خلال إحتجاجات "17 تشرين"

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 07 أيار 20 4 دقائق للقراءة
المواطنة "من القاعدة": ممارسة طوباوية خلال إحتجاجات "17 تشرين"
للثورات والإحتجاجات الشعبية تفسيرات عدة ومقاربات مختلفة. في الأغلب، تبدو "الثورة" لحظة مثالية للباحثين في مجال العلوم الإجتماعية والإنسانية من أجل تثبيت صوابية نظريات أو مقاربات بحثية ما، أو حتى لحظة مثالية لتحقيق مطالب نضالية وتحويلها إلى قضية رأي عام. في لبنان، من يعمل على المساحات العامة، مثلاً، يرى في "ثورة17تشرين"لحظةتّمفيهااستعادةالمجالالعام.ومنيؤمنبالصراعالطبقي،يحلّلالثورةبصفتهاتعبيراًعن صراع طبقي بين من يمتلكون الثروات،ومنلايمتلكها.

للثورات والإحتجاجات الشعبية تفسيرات عدة ومقاربات مختلفة. في الأغلب، تبدو "الثورة" لحظة مثالية للباحثين في مجال العلوم الإجتماعية والإنسانية من أجل تثبيت صوابية نظريات أو مقاربات بحثية ما، أو حتى لحظة مثالية لتحقيق مطالب نضالية وتحويلها إلى قضية رأي عام. في لبنان، من يعمل على المساحات العامة، مثلاً، يرى في "ثورة17تشرين"لحظةتّمفيهااستعادةالمجالالعام.ومنيؤمنبالصراعالطبقي،يحلّلالثورةبصفتهاتعبيراًعن صراع طبقي بين من يمتلكون الثروات،ومنلايمتلكها.

ومن يناضل من أجل استقلالية القضاء، يرى في الحراك الشعبي فرصة ثمينة من أجل تسليط الضوء على أهمية القضاء المستقل في تحقيق مطالب الثورة. 

كيف لنا أن نفهم "المواطنة" خلال الإحتجاجات الشعبية في لبنان؟

المواطنة المنقوصة

كثيراً ما نتغنى في لبنان بحرية التعبير. يعتبر البعض بأن لبنان، وبمقارنة بدول عربية عدة، يحتل موقعاً متقدماًجداًبالنسبةإلىحريةالتعبير.يذهبهذا البعض بعيداً ليؤكد أ ّن النظام الطائفي، أي التعددية وتمثيل الطوائف في الحكم، هو ما ساهم في عدم انزلاق لبنان إلى فخ الديكتاتوريات ونظام الحزب الواحد. طبعاً، ومقارنة بثورات عربية أخرى، يظهر النظام اللبناني، بالرغم من اللجوء إلى أعمال قمع، أقل عنفاً من أنظمة عربية أخرى. بينما يرى البعض الآخر، أ ّن الطائفية تشكل العائق الأساس في عرقلة نشوءمواطنةحّرةوعادلةمبينةعلىالمساواةأمام القانون. تظهر إذاً المواطنة من خلال هذه الأدبيات كنقيض للطائفية. بمعنى آخر: الطائفية والمواطنة

لا يتصالحان. هنا، لا بد من تسليط الضوء على أن المواطنة عادة ما تكون مرتبطة بالحقوق والمساواة. فالنسبة إلى عالم الاجتماع البريطاني توماس همفري مارشيل (1981- 1893)،وهومن أهم منظّري مفهوم المواطنة وتطورها،ترتكزالمواطنةعل ىثلاثة عناصر متكاملة، تحقق واحدة تلو الأخرى من خلال مسار تصاعدي: المواطنة المدنية (أي الحريات الفردية، والمساواة أمامالقانون)،المواطنةالسياسية(أيكلماهو مرتبط بالاقتراع والتر ّشح)، والمواطنة الاجتماعية (أي توفر الحد الأدنى من الرفاه الإجتماعي، والإقتصادي والثقافي). بالرغم من وجود انتقادات عدة لهذه النظرية،أهمهاأنهادرستتطّورالمواطنة فيسياق بريطانيا وهو ما لا ينطبق بالضرورة على بلدان أخرى،أوأنهاأغفلت دورالنساءالمهّمشات في تطوير تعريف المواطنة، إلا أنها تصلح كإطار عام من أجل فهم المواطنة بصفتها رزمة من الحقوق المدنية، السياسية، والإجتماعية. طبعاً، كل هذه العناصر مرتبطة بالقانون. 

ف يدولةمثل لبنان،نحن بعيدين كل البعد عن تحقيق شروط المواطنة هذه. فكما هو معروف، لا قوانين مدنية للأحوال الشخصية والتي من شأنها أن تعزز المساواة بينالأفراد(نساًء ورجاًلا وأطفاًلا)، ولا قوانين انتخابات وديمقراطية تساهم في مساواة سياسية وتمثيل عادل، ولا خدمات اجتماعية مؤ َّمنة لجميع المواطنين والمواطنات (أو حتى القاطنين في لبنان من جنسيات مختلفة) أيضاً. إذاً، هي مواطنة منقوصة بكل المعايير. لكن لا بد هنا من العودة إلى خطوة إلى الوراء، لتسليط الضوء على أ ّن المواطنة ليست فقط عبارة عن رزمة قوانين تؤِّمن الحقوق والواجبات.في الواقع هنالك مقاربة أخرى لفهم المواطنة، وهي المواطنة"من القاعدة"بصفتهاممارسة يومية يقوم بها الأفراد. المواطنة المنشودة ليست الثورة لحظة شمولية، تفترض أن كل المواطنين و المواطنات جزء منها. إن الثورة لحظة تفاوض بين تيارات فكرية مختلفة وتوجهات سياسية عدة وربما متناقضة.وهكذا،بشكل مبّسط طبعاً،يمكن أن يقسم المجتمع بين من هو مؤيّد للثورة ومن هو ضدها.لكنالثورة فيم كان ليس فقط لحظة يتم فيها التعبير عن مظالم إجتماعية واقتصادية أو بيئة اوقضائية،إنماخصوصاًهي فرصة لتقديم مخيالاً رديفاً لواقع معين. في هذه الإطار، قدمت لحظة "17 تشرين" مساحة لممارسة مواطنة بديلة (من القاعدة)، وإعادة نسج عقد إجتماعي متخيل (حتى

الآن طوباوي) بين الدولة والمجتمع. 

بعبارات أخرى، السياسة (ومعها المواطنة) لا تأطر حصراً ضمن المؤسسات الدستورية والرسمية، إنما السياسية أيضاً تأخذ مجراها في المؤسسات غير الرسمية (أي السياسة من القاعدة). فعلياً، بحسب عالم الإجتماع السياسي آصف بيات، ينتج الأفراد منخلالممارستهماليوميةالعاديةفعًلاسياسياً يأخذون فيه المبادرة المستقلة من أجل فرض واقع سياسي مع ّين بديل عن ذلك الذي تفرضه عليهم

المؤسسات الرسمية. من هذا المنطلق، خلال احتجاجات تشرين (وفي مختلف المناطق اللبنانية) مارس اللبنانيون واللبنانيات من مختلف الاعمار، مواطنة من القاعدة. أخذت هذه الممارسة مناحي عدة، أكان من خل المطالبةبالحقوقالمدنيةوالإقتصاديةوالإجتماعية والبيئة، أو من خلال ممارسة تشاركية في الساحات تقوم على إضفاء الصالح العام على حساب المصلحة الخاصة. فعلياً، عندما طالب اللبنانيون واللبنانيات بالعدالة الاجتماعية، أو نظموا أنفسهم مجموعات من أجل فرز النفايات، أو اجتمعوا في خيم وفتحوا نقاشات (عن الحقوق، والحّيز العام...) فإنهم حّولواأنفسهم إلى فاعلين سياسيين(بغض النظر عن وضعهمالقانوني ومدىتحلّيهمبالمساواةأو تمثلهم بالمؤسسات الدستورية). تقوم هذه المقاربة على فكرة أن اللبنانيين واللبنانيين، لم يكتفوا فقط بممارسةمواطنةبديلة،إنماأيضاًتخّيلواوطنية مختلفة. هذه الوطنية أتت على نقيض الوطنية اللبنانية التقليدية القائمة على "التوافق والتعايش بين الإسلام والمسيحية"، لا بل هي وطنية سياسية قائمةعلى الحقوق والواجبات وتساويالأفرادمع بعضهم البعض أمام القانون. الأولى، تفترض أن العقدالاجتماعي قائم عل ىالتعايش بين الطوائف وتقاسم السلطة على أساس الإنتماءات الطائفية. الثانية،على نقيض ذلك،تتخّيلعقداًإجتماعياًقائماً على المساواة بين الأفراد. طبعاً، ما زالت هذه المواطنة "من القاعدة" هامشية،وهي لحظةطوباوية تخّيلمنشاركفي نسجها عالماً أفضل. ومع ذلك، فإن هذه النضالات منالقاعدةليس تمجّرد رّد فعل على واقع معّين (مواطنة منقوصة)، ولكنها يمكن أن تكون عنصراً أساسياً في مسار التغيير، لا بل خطوة أولى لتحدي العقد الإجتماعي الطائفي القائم.

A+
A-
share
أيار 2020
أنظر أيضا
07 أيار 2020 بقلم جورج حابك، صحافي
07 أيار 2020
بقلم جورج حابك، صحافي
07 أيار 2020 بقلم جاد ملكي، باحث
07 أيار 2020
بقلم جاد ملكي، باحث
07 أيار 2020 بقلم ناتالي روزا بوخر، كاتبة وباحثة
07 أيار 2020
بقلم ناتالي روزا بوخر، كاتبة وباحثة
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
25 نيسان 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
25 نيسان 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
08 نيسان 2024 بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
08 نيسان 2024
بقلم رهف أبو حسّان، صحافية
07 نيسان 2024 بقلم ربى الزهوري، صحافية
07 نيسان 2024
بقلم ربى الزهوري، صحافية
تحميل المزيد